أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


الذعر من التيار..

– التلاقي يصيب أبناء الظلام بالصميم.. (ميشال ن. أبو نجم)

***

الرواية الكاملة للقاء تل ذنوب

لو لم أكن منظِّماً للقاء الأخير للوزير جبران باسيل مع مجموعة مثقفين وناشطين من البيئة السُنية نلتقي مع بعض منهم منذ سنواتٍ عشرة، ومع رفاقي لكل الأنشطة التي بادرنا إليها في قضاء زحلة منذ العام 2008 من أجل تقديم الصورة الحقيقية لما يفكِّر به أبناء الحالة العونية، أبناء الحالة التي توجهت إلى معابر الحرب وخطوط التماس رافضةً لها، لكان يمكن أن أصدق التحوير المستمر الذي يطال هذا اللقاء منذ انعقاده السبت الماضي في تل ذنوب… لكن ما أصدقه وأعلمه حقيقة أساسية هي أنّ هناك من قوى سياسية وأشخاص ستبقى تطلق النار على أي مبادرة للتواصل والتلاقي وتُصاب بالذعر والضيق بأي نشاط غير تقليدي هو من صلب تكوين التيار الوطني الحر، كما أعلم أن نجاح اللقاء بدليل ردود الفعل التي تلقيناها وتلقيتها شخصياً بعد اللقاء والسرور بلقاء “نموذج السياسي الناجح والوزير المميز الذي يحتاج الوطن لأمثاله” كما كتب لي أحد المشاركين، لن يوقف لا الوزير باسيل ولا كوادر “التيار” عن متابعة تراثهم في كسر أي حواجز وأي صور نمطية…

لم يكن لقاء تل ذنوب جديداً على مقاربة “التيار” السياسية في قضاء زحلة المتنوع والبقاع عموماً. باكراً أدركنا ضرورة تفهم هواجس أي شريحة لبنانية، قوة سياسية أم أبناء مكون مذهبي لبناني يشعر بالتهميش والغبن في ظل صراع كبير في لبنان. كل مجموعة لبنانية لديها وجدانها، تراثها، محددات لتفكيرها، وبالتالي طموحاتها وهواجسها و”مظلوميتها”، والحوار الصادق والصريح هو المنطلق للتفاهم.

في خلوة للتيار في “الكلية الشرقية” في زحلة أتينا بصحافييَن ليناقشا علاقة “التيار” بالوجدانين السُني والمسيحي، في ظل علاقة مضطربة نتيجة الأحداث العاصفة آنذاك. نحن قومٌ نعرف أنفسنا ولا نَجبُن فبادرنا إلى وضع أنفسنا أمام الحقيقة لكي نعالج أي سوء فهم. نحن قوم شجعان ولا نَجبُن فنسجن أنفسنا في شرنقة التقوقع حول الذات.

في العام 2011، كتب مختار رأس بيروت محيي الدين شهاب مقالاً في صحيفة “النهار” عن “ميشال عون والوجدان السُني اللبناني” يتساءل فيه بحرقة عن سوء التفاهم الذي رُسم حول العماد ميشال عون ويشير إلى تأييد شرائح سُنية واسعة له خلال “حرب التحرير” وما تلاها بسبب خطابه الوطني، ويدعو إلى بناء الجسر من جديد. مرةً جديدة بادرنا وتابعنا فنظمنا ندوة بعنوان “ميشال عون والوجدان السُني اللبناني” مع فاعليات بقاعية سُنية، كان لها طيب الأثر وناقش فيها المنتدون من أكاديميين وناشطين نقاط التلاقي وسوء الفهم في عز الخلاف السياسي مع التيار الأكثر تمثيلاً في البيئة السُنية.

في العام 2013 زار العماد عون آنذاك زحلة للمرة الثالثة فمرة جديدة بادرنا مع مجموعة من الأصدقاء الذين يواكبون نشاطنا الحواري ويعرفون معدننا وماهيتنا. بادرنا فتحاور “الجنرال” بصدقه المعتاد معهم فخطينا خطوة جديدة نحو كسر الصور النمطية.

نَعلم أنهم سيطلقون النار ويسعون لاختلاق أي ثغرة. إذا تفاهمنا مع تيار المستقبل كونه الأكثر تمثيلاً في البيئة السُنية تحقيقاً للميثاقية قال البعض أنتم تتفاهمون من فوق ولا تتحاورون مع القاعدة المتململة. إذا بادرتَ وحاور جبران باسيل القاعدة في هواجسها اضطرب البعض من سردٍ لسياق تاريخي لفهم الهواجس وإيضاح الأمور فيسعى عبثاً لخلق مشكلة مع سعد الحريري وتحريضه. يدرك جبران باسيل كل هذه الأمور وقالها للشباب الذين طرحوا الهواجس “إن هناك من ساهم ويُسهم في تغذية التحريض ضدنا في البيئة السنية”. كلما تحركتَ في شكل جريء سيُطلق النار عليك من المحرضين ومن الغارقين في بطالة سياسية وفي خواء كبيرين. الفراغ يصنع الكثير…

قال باسيل في اللقاء ما عاد وأكده ووسعه في الإفطار السنوي في البترون لجهة أن “التيار” لديه مناصرين في كل الطوائف الإسلامية وأن دفاعه عن التوازن لا يلغي وطنيته وميثاقيته. أكد للمجتمعين في تل ذنوب أن “عندما نتعرف على بعضنا سنسمع هواجس لا نعرفها كثيراً، وستسمعوننا فتفهموننا بطريقة مختلفة“. قال إن منطق التفاهم يعتمده “التيار” مع الجميع في البلد وليس مع طرف دون آخر. أكد أهمية التوازن في البلد لانتظامه الميثاقي. عندما سأله أحد الذين اجتزأ لاحقاً من جوابه ما يراه مناسباً للتحريض عن أنه “لماذا لم يتقبل الوجدان السُني التيار الوطني الحر في حين تقبّل شخصيات أخرى مسيحية شاركت في الحرب”، أوضح باسيل في سياق السرد التاريخي أن السبب الأساسي للهواجس السُنية من التيار الوطني الحر هي أن “مشاركة التيار (في النظام السياسي) أتت بعد مرحلة السُنية السياسية والتي أتت أيضاً بعد عهد المارونية السياسية، في سياق إعادة التوازن إلى النظام”، مؤكداً أن هناك من يكون همه إصلاح صورته أمام الشارع السُني في حين أن هذا الدافع لا ينطبق على التيار الوطني الحر “لأننا لسنا طائفيين أساساً” وبالتالي لم نرَ أننا مضطرون للدفاع عن أنفسنا في وجه اتهامات مماثلة. وأضاف باسيل أن هناك من “لا يريد للتيار أن يتكلم مع الشارع السني” وأن “التيار مستهدف”، مشدداً على “العودة للتوازن لأنها تخلص الجميع”. لكن هذا التوازن بالنسبة لرئيس التيار الوطني الحر لا يعني بالضرورة بناء الدولة المنشودة في حال بقينا في لعبة “الضعف والقوة والتناتش”، لأن التيار في العمق يريد الدولة المدنية الضامنة. يختم باسيل بخلاصة أن “ما حدا قوي إلا إذا كان وطني وآدمي، لذلك يستهدفوننا في هاتين النقطتين”.

لم يتجنَّ جبران باسيل على أحد. لبى دعوتنا والرغبة المشتركة مع الأصدقاء بالحوار، فسمع وأوضح ووضع سوء التفاهم في سياقه التاريخي السياسي ليخلص إلى تحديد أسس المساحة الوطنية المشتركة.

سيطلقون النار علينا كثيراً. سوف يحورون ويجتزئون لبث الفتن يميناً ويساراً لأننا أبناء النور الذي يشع فيضطرب أبناء الظلام والخفافيش التي لا تسرح إلا في الليل والغربان التي لا تنعق إلا في الخرائب وتقتات من الجيف والموت.

الجهات السياسية نفسها التي تطلق النار اليوم وتَنفُذ من عبارة لأحد المشاركين وتحاول حجب غالبية ردود الفعل الأخرى المرحبة بالحوار وبكلام باسيل، وتحاول دق إسفين في علاقة رئيس الحكومة برئيس التيار الوطني هي من صفّقت لسجن سعد الحريري وأقله سكتت وانشرَحت سرّاً، في حين أن الرئيس وجبران باسيل والتيار الوطني كله لعب دوره الطبيعي والواجب الوطني في إنقاذ الحريري. نعم جبران باسيل مهندس يتابع بناء الجسور لذلك هناك من سيزرع الألغام فيها. نعلم أن التلاقي والجمع يصيب أبناء الظلام بالصميم. نصيب في الصميم من اعتاد المألوف من صراعات لبنانية ومن أساليب سياسية تقليدية واصطفافات. نحن لَسنا كذلك. نحن أبناء ميشال عون الذي جمع في شخصه ومسيرته فكراً لبنانياً تصالحياً على أنقاض تشوهات الحرب، ورفاق جبران باسيل الذي أضاف إلى مسيرة الرئيس عون غير المألوفة في المسار السياسي اللبناني المزيد من المبادَرة والشجاعة والمصارحة التي وحدها تصنع مصالحة حقيقية ومساحةً مشتركة متينة…

وسنبقى بشعارنا، “مكملين”، لا يوقفنا اجتزاء وتحوير ولا سعيٌ فاشل وعبثي للتحريض، يدنا دائماً ممدودة. انتظرونا بمزيد من الأنشطة المماثلة…