عَ مدار الساعة


إيلي فرزلي، جدارة الإرتقاء بالطائفة الى الوطن

– عبارة “نحن طائفة لا طائفية” تبحث عن نماذج لمدرستها في لبنان.. (أمين أبوراشد)

***

اخترنا العنوان بدقَّة، كي لا نقع في إلتباسٍ لغوي، خاصة في الحديث عن أديب البلاغة إيلي فرزلي، لأن “الإرتقاء بالطائفة الى الوطن”، يختلف عن “الإرتقاء من الطائفة الى الوطن”، سيما وأن دولة الرئيس فرزلي “روم مُتديِّن” و”روم مُناضل” من بطريركية أنطاكيا وصولاً الى بطريركية موسكو، وهو الذي نال يوم الأحد في التاسع من أيلول الجاري، وسام الكرسي الأنطاكي من الدرجة الأولى للرسولين بطرس وبولس من غبطة البطريرك اليازجي، والوسام، عبارة عن صليب منقوش ومحفورة عليه صورة الرسولين مؤسِّسَي الكرسي الأنطاكي المقدس منذ القرون الأولى للمسيحية، بما يعني، أن الرئيس فرزلي لم يهجر الطائفة الى الوطن، ولم يدَّعِ العلمانية للإنتقال الى كرسي الرئاسة الرابعة في الدولة اللبنانية، بل وصل بثقافة دينية مع نفحة إنسانية وطنية حملها من تربية بيتية بقاعية، وجعلت منه النموذج في الفرادة بقدرة الجمع بين التقوى الدينية وتقديس الإنسان وتمجيد الوطن.

ولأن التكريم البطريركي الرفيع، جاء ضمن الجولة الراعوية التي يقوم بها غبطة البطريرك اليازجي في منطقة البقاع من شماله الى وسطه وصولاً الى البقاع الغربي وراشيا، أولَم الرئيس فرزلي على شرفه في دارته بجب جنين مساء أمس الخميس، وسط حضورٍ حاشد، مع باقة متنوِّعة لرجال دين من مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية التي يتشكَّل منها نسيج البقاع الغربي وراشيا، والمُلفت، أنه رغم خصوصية هذه الزيارة على مستوى طائفة الروم الأرثوذكس، فإن الخطاب الوطني كان حاضراً لأنه لغة ايلي فرزلي، وكذلك فعل البطريرك، لكن أكثر ما لَفَتني بالكلمات سواء خلال الإستقبال أو قبل العشاء، هي جزئية شئتها موضوع مقالتي والتي اختصرها البطريرك اليازجي بعبارة “نحن طائفة غير طائفية”.

ولأن مجموعة نخبوية من “روم عكار” كانت بين المدعوين، وجدت نفسي وأنا “فرزلي الهوى” من موارنة البقاع، أستحضر الصفات التي تجمع بين دولتيّ الرئيسين عصام فارس وايلي فرزلي اللذَّين ينتميان الى طائفة الروم الأرثوذكس، ويَتَّصِفان بتديُن مُلفِت وبـ “لا طائفية” مُبهرة في الأداء الوطني، وحاولت جاهداً العثور في ذاكرتي عن شخصيات مُتديِّنة وارتقت بطائفتها الى الوطن فلم أجد العدد وفيراً بكل أسف، وأن عبارة “نحن طائفة لا طائفية” تبحث عن نماذج لمدرستها في لبنان تُخرِّج أمثال عصام فارس وإيلي فرزلي، خاصة أن هاتين الشخصيتين أثبتتا أن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء الذس شغله الرئيس فارس، أو منصب نائب رئيس مجلس النواب الذي شغله ويشغله وسوف يشغله الرئيس فرزلي بإذن الله، يحتاج الى رُقي تربية دينية وإنسانية ووطنية وأخلاقية لا يمتلكها كثيرون، ليتقبَّلهم الوطن شركاء حقيقيين في صُنع القرار الوطني، بعيداً عن رمزية المنصب التي نجح بتخطِّيها عصام فارس، وتعملق في تجاوزها إيلي فرزلي.

حتى قانون الإنتخاب الذي ابتكره إيلي فرزلي من بنات أفكاره ليضمن التمثيل الصحيح والعادل، هذا القانون الذي دَفَن فيه قانون الستين الظالم، وأنتج مشاريع قوانين انتخابية بالعشرات الى أن وصلنا الى القانون النسبي، هذا القانون “الفرزلي” أطلقوا عليه تسمية “القانون الأرثوئكسي”، وأنا من حقي الإجتهاد، أنهم تعمَّدوا صبغه بالطائفية ليصبغوا إيلي فرزلي، لكنه برقيّ سياسته، ووطنية مدرسته، وجدارة دفاعه عن الحق، هزمهم لا بل سحقهم، وعاد الى المجلس النيابي بإرادة النسيج الوطني الرائع في البقاع الغربي، وعاد الى نيابة رئاسة المجلس لأن الرئيس بري يحتاج ليس الى من يشغل منصباً رمزياً، بل لرجل تشريع من الطراز الأول أشعل في الماضي اللجان النيابية في العمل الجاد، ويُشعلها حالياً بديناميكية ما زالت والحمدلله مُتَّقدة، وهنا نبلغ بيت القصيد في إثبات الجدارة الشخصية التي تتفاوت بين أهل السياسة.

يتمّ حالياً تشكيل الحكومة، والنعرات الطائفية والمذهبية تستعر، لدرجة أن التلاسُن يتمّ بين أبناء المذهب الواحد على خلفية حق التمثيل في الحكومة، وكل الأجواء الإعلامية مشحونة بسجالات، كن مسيحياً متعصِّباً أكثر، أو مسلماً متشدداً أكثر، تنال نقاطاً شعبية ونيابية أكثر وقد تغدو وزيراً، في الوقت الذي نرى ونلمُس فيه الشخصية الشيعية في رئاسة البرلمان اللبناني، تولِي ثقتها الكاملة في الإشراف والتشريع الى شخصية أرثوذكسية تحمل إسم إيلي فرزلي، وسلام لإيلي فرزلي الذي بالقول والفعل قامة وطنية من بقاعنا المُتنوِّع، وتحية له، أحد أكبر صُنَّاع السلام منذ بدايات الحرب اللبنانية المشؤومة وحتى اليوم، وأثبت ويُثبت كل يوم، أنه إبن بيت وإبن طائفة وإبن بيئة لا طائفية، ولا خلاص لهذا الوطن سوى بأمثاله..