عَ مدار الساعة


الفصل من الادارة على الهوية يحاكي مشهد”الخطف”على الهوية- نسيم بو سمرا

-مصالحة الجبل لم تحصل بال 2001 ولتنجح عليها أن تتم مع الممثل الحقيقي للمسيحيين

***

يقول المثل الشعبي أن “التكرار يعلّم الحمار”، وهناك مثل آخر في هذا الاطار أيضا يقول “إن الشعوب الغبية تكرّر أخطاءها” وآخر يقول “إن الشعوب الغبية لا تملك ذاكرة جماعية” وغيرها من أمثال كثيرة تدل على قصور بعض الشعوب في بناء وطن، ويبدو أن معظم هذه الامثال تنطبق على الشعب اللبناني، أو الاصح القول على قسم كبير من شعبنا، وعلى رأسهم حزبي التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، ففي حين يكرّر الاخير أخطاء الماضي، بضربه الصف المسيحي بطرق مختلفة، كان آخرها محاولة إضعاف رئيس الجمهورية لضرب العهد، في استكمال لمسار إلغائي برعت فيه القوات، لأي وجود مسيحي فاعل في لبنان، يعمد الاشتراكي في الموازاة على استكمال المسار الذي بدأه في الحرب اللبنانية، بعزل طائفة الموحدين الدروز عن باقي مكونات الشعب اللبنانية، وذلك من خلال اقتطاع منطقة عزيزة من لبنان وتحويلها إمارة جنبلاطية، وإبقائها كذلك بفضل قوانين الانتخاب الاكثري السيئة الذكر، الى ان جاء التيار الوطني الحر وقاسم جنبلاط زعامة هذه الامارة بفضل القانون القائم عل النسبية، الذي أرسى عدالة في التمثيل فأعاد الجميع الى أحجامها الطبيعية، ليتحول جنبلاط جراءه من زعيم أوحد الى أحد الزعماء في الشوف، فسقطت الامارة، وسقط معها قناع جنبلاط الذي حاول وضعه منذ العام 1990، لتغيير الصورة السوداء التي انطبعت بذهن مسيحيي الجبل والشوف، وبخاصة المهجرين وأهالي الضحايا منهم.

أمّا اليوم وبعد خروج رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ولبد جنبلاط عن طوره بوصفه رجالات العهد بال “علوج”، عاد ليمارس سياسة التصفية بحق خصومه، وهو وإن مارسها بالعسكر خلال الحرب اللبنانية المشؤومة، يحاول اليوم العودة اليها ولكن بالسياسة، تتمثّل بظاهرة الفصل من الادارة “على الهوية”، التي اطلقها الوزير مروان حمادة، في وزارة التربية،في محاكاة لمشهد “الخطف” على الهوية خلال الحرب، وتعيدنا هذه الممارسات البائدة، الى ذكرى”حرب الجبل” والتي كان حين يقوم احد المتحاربين بخطف الابرياء من منطقة العدو، يقوم الطرف الاخر بخطف عدد مضاعف للأبرياء من المنطقة المقابلة، لإجراء عملية مبادلة للمخطوفين، وللمفارقة، إنّ بطلي هذه الحرب، هما الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية، المتحالفان اليوم على مشروع ضرب العهد القوي، وهذا التحالف بدأ فعليا خلال المعركة الانتخابية التي حصلت قبل أشهر، ليستكمل اليوم بتصفية الحسابات السياسية عبر محاور الادارة، الذي بدأ بالانتقام من مديرة الإرشاد والامتحانات الرسمية في وزارة التربية هيلدا خوري ولن ينتهي بالتأكيد بردة الفعل التي قام بها التيار الوطني الحر، بحقّ موظفَين في الادارة، هما نزار هاني في ​وزارة البيئة​ ورجا العلي في ​مؤسسة كهرباء لبنان.

هيلدا خوري

غير أن المشكلة بين الفريقين، الاشتراكي والتيار الوطني، ليست بجديدة وهي تعود الى منتصف الثمانينات منذ تسلم العماد ميشال عون لقيادة الجيش في العام 1984، وتصاعدت بين عامي 1988 و1990، بمعارك عسكرية في سوق الغرب بين ميليشيا الاشتراكي  والجيش اللبناني، واستمرت بعد اتفاق الطائف بسبب الموقعين المتناقضين لكل من الفريقين، حيث الاول كان متعاونا مع الاحتلال والثاني ساعي الى تحرير لبنان منه، مرورا بعودة الجنرال عون الى لبنان من المنفى الباريسي في العام 2005، ومرحلة قيادته تكتل التغيير والاصلاح من الرابية، وصولا اليوم الى قيادته لبنان من قصر بعبدا ولكن هذه المرة رئيسا للجمهورية لا قائد جيش ورئيس حكومة.

لا يُخفي على أحد أن محاولة عزل التيار الوطني الحر بتخطيط جنبلاطي بدأت في العام 2001 بمسرحية مصالحة الجبل التي تمّت بين فريقين، أحدهما هو الحزب الاشتراكي أي الطرف المتورط بهذه الحرب والبطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير، فجاءت المصالحة منقوصة، اولا لأنه لم يعد اكثر من 30 بالمئة من مهجري الجبل والشوف الى قراهم، وثانيا لأن المصالحة الحقيقية لتنجح وترتب مفاعيل إرساء السلام والطمأنينة، عليها أن تتم مع الممثل الحقيقي للمسيحيين، وهو التيار الوطني الحر برئاسة النائب الوزير جبران باسيل، فيما الدليل ان الذي حصل في آب من العام 2001 هو كذبة، لأنه في كل مناسبة، تخرج قيادات الاشتراكي لتحذر من سقوط ما سمّي زورا “مصالحة” الجبل، ولتهوّل على المسيحيين، بانّ كل الانجازات التي تحققت خلال السنوات الماضية على صعيد تثبيت العيش الواحد في الجبل باتت مهددة، (وشو هالمصالحة الكرتونية) التي تقع عند أول اختبار جدي للنوايا، في حين ان بات واضحا ان ما حصل عشية 7 آب المجيدة في العام 2001، لم يكن مصالحة، بل هدفه كان قطع الطريق على صعود نجم التيار الوطني الحر، وتشكيله رقما صعبا في المعادلة اللبنانية، والتي أوصلت في النهاية الى التحرير في العام 2005.