– هل الرئيس الحريري في «ورطة» مع الاميركيين ؟ (ابراهيم ناصر الدين )
الانتصارات الميدانية في البادية السورية على طريق تحرير دير الزور، بمشاركة فاعلة لحزب الله على اكثر من محور، ابطلت عمليا «القنبلة الصوتية» الاعلامية التي عملت عليها واشنطن لاجهاض مفاعيل الانتصار في الجرود على الحدود الشرقية… واذا كانت عطلة عيد الاضحى قد ارخت بظلالها على الحياة السياسية اللبنانية، فان الملف الامني في البلاد لم يدخل في اجازة في ظل تواتر المعلومات حيال ارتفاع المخاطر في المرحلة المقبلة بعد «كسر» المقاومة، والجيش، والقرار السياسي، «خطوطا حمراء» في توقيت لا يتناسب مع اجندات قوى اقليمية ودولية…
وفي هذا السياق، تؤكد اوساط امنية ان المرحلة الجديدة من الحرب التي تحدث عنها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، تتجاوز القلق من «الذئاب المنفردة»، او تكرار عمليات «الدهس» التي حصلت في اوروبا، لان النموذج الاخير تطبقه «داعش» في الدول التي يصعب فيها اقتناء الاسلحة او ادخال متفجرات، وهو امر متوفر في «السوق» اللبنانية… لكن الخشية الكبيرة تبقى من محاولة اجهزة امنية خارجية غربية او عربية «اللعب بالنار» مجددا على الساحة اللبنانية في محاولة لاجهاض مفاعيل الانتصار الاستراتيجي الذي تحقق على الحدود الشرقية، لاستكمال الحملة على حزب الله ميدانيا، وكذلك استهداف الامن العام «معنويا» بعد نجاحات مديره اللواء عباس ابراهيم في المهمات الكثيرة التي اوكلت اليه، واستهداف هذا الدور مرجح من خلال ادخال مجموعات ارهابية عبر مطار بيروت في استعادة للسيناريو الشهير في فندق «دي روي»، هذا ما استدعى استنفاراً امنياً على اعلى المستويات، وتم اتخاذ اجراءات عملانية استباقية تتم من خلالها مراجعة دقيقة لكل لوائح المسافرين القادمين الى بيروت للتأكد من صحة جوازاتهم، وكذلك جرى تفعيل «الخطوط الساخنة» مع اجهزة امنية «صديقة» في الخارج لتتبع مسار بعض المجموعات المشبوهة من «العائدين»، منهم بعض اللبنانيين، واخرين عادوا الى بلادهم خصوصا دول شمال افريقيا، في ظل معلومات موثقة عن تسهيل هروب هؤلاء عبر الحدود التركية بعد أخراجهم من العراق وسوريا، واذا كان اغلبية وجهة تلك المجموعات ليبيا، ودول شرق آسيا، اندونيسيا وماليزيا، وتايلند، فان احتمال توظيف البعض منهم في لعبة استخباراتية «قذرة» امر غير مستبعد، وقد وردت معلومات جدية الى الاجهزة اللبنانية المعنية بهذا الخصوص، ويجري التعامل معها على قدر كبير من الجدية…
«لوائح واعترافات»
وهذا التحدي غير المسبوق سمح للاجهزة الامنية بالحصول على غطاء سياسي للتحرر اكثر من بعض «القيود» السابقة من خلال الدخول الى عمق عدد من المناطق الشمالية والبقاعية التي فقدت راهنا الدعم اللوجستي الحدودي، ولا يمكنها ان تنعم بأي حماية سياسية علنية على الاقل، وثمة لائحة على درجة كبيرة من الاهمية تم وضعها على اثر اعترافات عدد من قياديي داعش الذين استسلموا خلال معركة الجرود الى حزب الله، وكافة المعلومات الموثقة باتت بين يدي الاجهزة الامنية اللبنانية المختصة، وهي تتضمن معلومات عن عدد من اللبنانيين والسوريين الذين تعاونوا في الفترة السابقة مع التنظيم في الجرود…
«عين الحلوة»
اما ملف مخيم عين الحلوة، فسيجري وضعه على «نار ساخنة» وليس «حامية» كما تقول تلك الاوساط، لان تكرار تجربة مخيم نهر البارد غير واردة على الاطلاق، خصوصا ان غالبية المخيم بفصائله المتعددة تتعاون مع الاجهزة اللبنانية، وتبقى بعض البؤر المحدودة تحت سيطرة المتطرفين، لكن ما تم ابلاغه خلال الساعات القليلة الماضية الى تلك الفصائل كان حاسما لضرورة وقف «الدلع» في التعامل مع هذا الملف، والكف عن الادعاء بعدم القدرة على الحسم، لان الامر يحتاج الى تحرك امني لا عسكري… في المقابل تؤكد اوساط فلسطينية عدم وجود قدرة لوجستية على خوض مواجهة حاسمة مع «التكفيريين» في ظل غياب القرار السياسي اللبناني بتقديم المساعدة العسكرية المطلوبة على مستوى العتاد والعدة في ظل نقص واضح في الذخائر لدى القوى الفلسطينية غير القادرة على خوض مواجهة مفتوحة على نطاق واسع… وفي سياق متصل تلفت الاوساط اللبنانية الى رفع مستوى الرقابة الامنية على مداخل المخيمات في ظل معلومات عن محاولة لتهريب عدد من المطلوبين وفي مقدمتهم شادي المولوي وبلال بدر، بعد اقتناع هؤلاء ان الامور اصبحت محسومة بعدم حصول اي مقايضة تسمح لهم بالخروج من المخيم بعد طرد المسلحين من الجرود، وباتوا امام خياريين لا ثالث لهما اما تسليم انفسهم، او مواجهة مصيرهم المحتوم، آجلا او عاجلا…
«ورطة» الحريري
وفقا لاوساط دبلوماسية غربية، تنتظر السفارة الاميركية انتهاء فرصة الاعياد في بيروت، لاجراء مراجعة دقيقة مع حلفاء مفترضين لتقويم اسباب الاخفاق في «تطويق» حزب الله اعلاميا وسياسيا، خصوصا ان «ثغرة» كبيرة غير محسوبة تسبب بها رئيس الحكومة سعد الحريري من خلال تصريحاته في باريس والتي تبنى فيها الموافقة على «الصفقة» مع مسلحي «داعش» لاخراجهم من الاراضي اللبنانية، وهذا ما اعطى مصداقية لرواية الحزب واحرج حلفاء الحريري ومعهم واشنطن التي اوعزت للسفيرة الاميركية في بيروت بلقائه بعد عودته من العاصمة الفرنسية لابلاغه استياء الخارجية الاميركية من خطوته العلنية غير «المفهومة»… وبحسب اوساط «قواتية» تلقى الرئيس الحريري اتصالا من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع نهاية الاسبوع لتهنئته بالعيد، وقد استغله للاعراب عن اسفه لصدور موقف مماثل «غير ضروري»، خصوصا ان الحكومة لم تكن في اجواء قرار مماثل…
ووفقا لاوساط وزارية، فان موقف رئيس الحكومة جاء منسجما مع قناعته بان لا تبدو الحكومة اللبنانية «كالزوج المخدوع»، ومع تصدي رئيس الجمهورية ميشال عون لمسؤولياته باعتباره القائد الاعلى للقوات المسلحة، لم يرغب الحريري في الظهور بموقف ضعيف خصوصا انه متهم في الاوساط السنية بانه اضعف موقع رئاسة الحكومة، وكذلك فان الدور البارز لمدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، احرج» الجميع، خصوصا انه لم يقم بأي خطوة دون التنسيق معه، ومع رئيس الجمهورية، وقد جاء خطاب الرئيس نبيه بري في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، بمثابة «رسالة» الى الحريري بان رئيس المجلس لن يسمح بان يتم تحميل اللواء ابراهيم مسؤولية لا يتحملها، بل هو تحرك بغطاء سياسي جاء ليتكامل مع التفاوض الذي قام به حزب الله…وهكذا «احرجه» بري «فاخرجه»… كما ان الرئيس الحريري استفاد من غياب قرار سعودي حاسم في ملف معركة الجرود بعد ان فهم من المبعوث السعودي الى بيروت تامر السبهان، ان المملكة لم تعد مهتمة بما ستؤول اليه الامور على الحدود اللبنانية السورية… وبرأي تلك الاوساط فان الرئيس الحريري يعيش ازمة «معاكسة» لما يمر به رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يخشى ان يدفع ثمن موقفه المتماهي مع الاميركيين بازاحته عن رئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة، فيما يخشى الحريري ان تكون «دعسته» الناقصة سببا في تراجع الدعم الغربي له في رئاسة الحكومة اللبنانية..
المصدر: الديار