– الأكراد سهلو لداعش طرد المسيحيين (يوم الثالث)
تحت كل حبة قمح كتبت حكاية شعوب تركت سنابلها تتجدد إلى يومنا هذا، وعلى وجه مياه الفرات ودجلة، حفظت وجوه أناس فوق المياه المنحدرة من الجذور الاصلية، والقصة الرمزية للتنين الذي يقاتله الجندي الروماني جورجيوس أصبحت حقيقة، فشعار الكنيسة السريانية مار جرجس لم يهدأ حصانه نتيجة الازمات المتلاحقة التي تتالت على السريان والاشوريين والكلدان والارمن، فأي رمحٍ يحمي ويوقف الهجرة والتهجير من الجزيرة السورية؟.
الجذور التاريخية
يؤكد سهيل لاوند الاكاديمي المختص بالتاريخ القديم والمدرس في كلية الاداب والعلوم الانسانية في جامعة حلب لموقع اليوم الثالث، أن الاشوريين والكلدان حملوا اسماء حضارات قديمة ونقلوها إلينا، فالكلدان تسمية قديمة من القرن السادس قبل الميلاد، هؤلاء هم الكلدان الاصليون أو الدولة البابلية الثانية، أما الكلدان في الوقت الحالي هم عبارة عن جزء من السريان او الاشوريين، وهي تسمية طائفية، والكلدان طائفة تابعة للكرسي البابوي. الاشوريون جاؤوا من العراق وسكنوا القرى، وعاصمتهم تل تمر وهم يمتدون على 36 قرية على ضفاف نهر الخابور، والارمن هجرتهم الاكبر نحو الجزيرة السورية بعد هروبهم من المجازر في بدايات القرن العشرين، فسكنوا في المالكية والحسكة، وكانت لهم وجهة اساسية نحو دير الزور ولكي يحموا نفسهم من سيف العثمانيين، كان هناك حالات زواج مختلطة، بحيث نجد العديد من سكان دير الزور المسلمين جداتهم أرمنيات، وتعتبر تل مرقدة في محافظة الحسكة محجاً للأرمن في العالم بعد المجازر التي وقعت بحقهم من قبل العثمانيين. السريان هم امتداد للاراميين وجزء منهم، وبلاد آرام تمتد من شمال فلسطين مرور بجبال لبنان وصولا إلى نهر الفرات، وقد كانت مناطق حران وطور عابدين وماردين وديار بكر والرها جنوب جبال طوروس في تركيا من أهم الحواضر لدى السريان والتي هجروها وتوجهوا نحو الجزيرة السورية وسكنوا المدن القريبة.
من الجزيرة السورية إلى شبه الجزيرة الاسكندنافية
شكل الطريق إلى السويد وجهة أساسية للسريان وخاصة مع وجود قانون “حماية الاقليات القابلة للانقراض” ضمن القوانين النافذة في السويد، وقد قدمت تسهيلات وامتيازات للسريان للهجرة من ارضهم، وقد شكلت الحرب الاهلية في لبنان المرحلة الاولى مع فتح الحكومة السويدية باب الهجرة لهم وخاصة للسريان الأرثوذكس، للتوسع وتستمر العملية لتشمل السريان في سورية ولبنان.
منازل المسيحيين نُهبت من قبل الأكراد
قد يعتبر العديد من الناس أن الهجرة أصبحت قدراً عليهم خلال المئة عام السابقة، منذ قيام العثمانيين بتنفيذ مجازر بهدف تهجير أهل المنطقة، عندما كانوا يدفعون الاكراد لتنفيذها بشكل مباشر وكان آخرها في الحرب العالمية الاولى في المجازر بحق السريان والارمن، ووصولاً إلى ما يعرف سنة 1937 بي “طقت عامودا” وهو اشكال كان فيه دور فرنسي لإحداث مشكلة بين السريان والاكراد. وعادت موجة الهجرة لأسباب اقتصادية وخاصة في زمن الوحدة بين سورية ومصر والتي أدت إلى تأميم الأراضي والمصانع من قبل حكومة الوحدة والتي يعتبرها محللون بأنها كانت في خدمة الدولة المصرية فقط. من بعدها هدأت موجة الهجرة وأصبحت مقتصرة على الحالات الطبيعية كون معظم العائلات لها اقارب في الخارج، لتعود من جديد مع وصول نيران الحرب السورية إلى الجزيرة وبشكل أساسي مع اقتراب تنظيم “داعش” إلى اسوار الحسكة والقامشلي، وهنا تشير مصادر لموقع “اليوم الثالث” إلى اللحظة التي تم فيها تهجير الاشوريين من قراهم الواقعة على ضفاف نهر الخابور من قبل داعش، وتعتبر أن المسؤول الاساسي عن التهجير هم جزء من الاكراد الذين قاموا بعمليات استفزازية ضد التنظيم في المناطق المحيطة بالقرى الاشورية وسهلوا عملية دخوله من خلال الانسحاب من المواجهة ودفعه للدخول والقيام بعملية التهجير.
كنيسة ومدرسة وسياسة
فرضت الجغرافيا نفسها على الوجود المسيحي في الجزيرة السورية، فشكلت المنطقة خط تماس مستمر بين الشرق والغرب في الصراع المستمر بين الامبراطوريات، منذ قيام الامبراطورية الاشورية، إلى الصراع المستمر بين الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية، مرورا بالفتح العربي وغزوات المغول ومذابح العثمانيين، وصولا إلى حرب على سورية والاستنزاف بين مختلف القوى الاقليمية والدولية للسيطرة على شرق نهر الفرات.
وفي مرحلة بعد الاستقلال كان لهم دور في الحياة السياسية، فكان ليوسف صباغ دور في تأسيس غرفة زراعة الحسكة، وسعيد أسحاق نائب رئيس المجلس النيابي والذي أصبح رئيسا لسورية لمدة 24 ساعة حين نفذ أديب الشيشكلي انقلابه، اضافة إلى دخولهم في الاحزاب الموجودة في الجزيرة السورية، مثل حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي، وكان لنوادي وكشاف السريان دور مهم في الحياة الاجتماعية والثقافية، والتي اعتقد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أثناء زيارته للحسكة زمن الوحدة بأنه وحدة عسكرية لشدة تنظيمها، فكان الامر بإغلاقها فيما بعد عن طريق المكتب السري لدى المخابرات التابعة لحكومة الوحدة.
الأكراد ومساعي التغيير الديموغرافي
في المرحلة الحالية، أصبحت حبات القمح قليلة العدد، ويتحدث سكان المنطقة بأنه يمكن معرفة تناقص العدد بشكل كبير بمجرد مراقبة قداس يوم الاحد، الذي كان قبل الازمة يملأ الكنيسة بالمصلين، اما اليوم فهناك بعض المقاعد. فقد وقع المسيحيون، كما كل السوريين، في طوق من الصراع، تركيا شمالاً والاكراد الساعين لتكريس الفدرالية في مناطقهم وهجمات تنظيم داعش، اضافة إلى الحالة الاقتصادية الصعبة، مما دفع الكثير منهم إلى بيع بيوتهم، وخاصة أن الاقدر على الشراء حاليا هم الاكراد نتيجة الدعم المقدم لهم من الخارج، أما بعض العرب فهم قلة من يمكنهم الشراء، ومن المتعارف عليه لدى سكان المنطقة أن الخوف الاكبر ليس من الاكراد السوريين بقدر أن الخطر هو من اكراد تركيا والعراق، والذين تشير مصادر إلى أن دخولهم في الشمال السوري بهدف دائم هو لإحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة لصالحهم في مواجهة العشائر العربية والوجود المسيحي.
لا فدرلة ولا انفصال
في هذه الحرب، يسعى المسيحيون إلى أداء دورهم. شاركوا في الاعمال القتالية بتشكيل مجموعات قتالية لمواجهة تنظيم داعش، متمثلة بقوات السوتورو السريانية وقوات الناطورة الاشورية. وقد جاء انتخاب البطريرك اغناطيوس افرام الثاني بطريرك السريان الأرثوذكس الذي تعود اصوله إلى القامشلي، ليحمل رمزية ورسالة كون ما يمثله رأس الكنيسة هو من منطقة تعتبر تحت خطر افراغها من اهلها بالكامل. يبقى سكان منطقة الجزيرة في انتظار الجهة التي سوف تذهب إليها الامور مع ازدياد قوة المعارك في سباق الوصول إلى السيطرة على البادية السورية وشرق نهر الفرات، والتاريخ لا يسجل أن المسيحيين في الشرق السوري كان لهم اي هوى انفصالي، فهم كانوا مع وحدة الدولة بكامل اراضيها وبذلك سيكونون في مواجهة مضادة لأي دعوة للانفصال والتقسيم.
- صحافي سوري
لقراءة الخبر من المصدر: (إضغط هنا)