للمسيحيين مستقبل سياسي واجتماعي في سورية لا يمكن إغفاله، على الرغم من كل المعطيات التي ساهمت في زرع الشقاق بين مكونات المجتمع السوري؛ لأن الحل المستقبلي سيعتمد على مشاركة جميع المكونات في الحياة السياسية، ومنها المسيحيون، وعلى إعادة التوازن للحياة السياسية والاجتماعية. ومشاركة جميع مكونات المجتمع السوري في صياغة مستقبل البلد هو الكفيل بإنهاء هذا الصراع الدموي، وبغير ذلك سيستمر انحراف المسارات نحو مزيدٍ من التطرف والتخندق، لذلك فالحضور السياسي والاجتماعي للمسيحيين ضرورةٌ وليس من الكماليات.
شروط الشراكة الوطنية المطلوبة
وتحقيق ذلك يتطلب رغبة حقيقية – من جميع الأطراف – في الشراكة الوطنية مع المُختلِف في الدين والثقافة، وهذا الشرط لم يتحقق بعد. إذ إنه يتطلب درجةً من الوعي الوطني، لم نبلغها في مجتمعنا في فترة الحرب وما جرته من ويلات، وخصوصا في تحفيز النزعة الطائفية، عبر ربط الانتماء الطائفي بمميزات ومنافع على حساب مكونات المجتمع الأخرى.
إلى ذلك، التأثير الخارجي في القضية السورية” كبير ومدمر، إذ تحرّض كل جهة على إحداث الفتنة بما يخدم مصالحها فتزيد من انقسام المجتمع السوري..
وهنا تتجلى إعادة بناء العلاقات الإنسانية بالحوار. فثقافة الحوار هي الكفيلة في تنمية الوعي والتغلب على الإنتقام بالعدالة، وتمكين المفاهيم الوطنية، وخطوات الاستقرار والعدالة الاجتماعية. وغنيٌّ عن البيان أن ذلك لن يتم إلا بعودة الحياة المدنية والسياسية، وبلورة مفاهيم جديدة تلبي مطامح السوريين، وتعكس تنوع هوياتهم، فالإيمان بالتنوع عتبة للارتقاء وليس عائقًا له.
العقد الإجتماعي المطلوب
نحن اليوم في أشد الحاجة الى عقد اجتماعي يُعيد إنتاج هوية وطنية جامعة، وإلى مشروع جامع للسوريين، عبر اعتماد مبدأ المواطنة والتساوي أمام القانون من دون أي تفاضل ذي منشأ مذهبي ديني أو قومي، أسوة بالدول الحديثة، وإلى تعزيز العدالة الاجتماعية التي غابت عن المجتمع السوري في السنوات السبعة الأخيرة بسبب هذه الحرب التي دمرت القيم والمفاهيم التي تتعلق بالمواطنة الصحيحة. ان تمكين مفاهيم الديمقراطية والمواطنة، إضافةً إلى تأكيد وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم والتجزئة، هو مطلب أساسي وخصوصا للمكون المسيحي فهي تصب في مصلحة الجميع في النهاية.
معضلة التغيير الديموغرافي
إنَّ التغيير الديموغرافي الذي تسعى له بعض القوى الخارجية في دمشق خاصة وسورية عامة يشكل خطرًا على السوريين كلهم، ولا سيّما على المسيحيين منهم بسبب عددهم المتناقص بشكل متسارع خلال الأعوام الماضية، إذ إنهم باتوا يشكلون نحو أربعة ونصف في المئة من الشعب السوري، وهم مهددون بالتهجير كليًا من سورية.
هذا التغيير الديمغرافي طال بشكل كبير المناطق ذات الغالبية السكانية المسيحية في دمشق والذي تخطط له جهات تدعمها قوى خارجية وتحديدًا في أحياء دمشق القديمة، حيث تضيق على سكانها بالممارسات والسلوكيات الشاذة، البعيدة عن آداب وأخلاق الأهالي. ويدرك المسيحيون خطر ذلك، وهذا ما يدفعهم للهجرة وترك المكان، من دون أن ننسى أن البعض يتمسك بالبقاء على الرغم من كل المضايقات.
تتجلى المخاطر يتجلى في شكلٍ واضح إذ يطال المسيحيين في الجزيرة السورية أيضاً ويهدف إلى تغيير الطابع الديموغرافي المتنوع لمصلحة حزب الاتحاد الديمقراطي وأهدافه باقتطاع أراض من شمال سورية. ويستخدم لتحقيق ذلك وسائل عديدة منها التضييق على السكان، أو تزوير الإحصاءات السكانية للمسيحيين هناك.
أهم مخاوف المسيحيين في الوقت الحالي، تتجلى في حال الانفلات للمجرمين وللمسلحين الطائفيين، والمتشددين الذين قدموا بمعظمهم من خارج سورية. الأهم، أن المسيحيين يتخوفون من عدم وجود رؤية وطنية واضحة وثابتة. ويتخوفون -كباقي السوريين- من غياب العنصر الوطني، فالحرب كانت لها تداعيات كبيرة ليس فقط على الارض وانما في النفوس والعقول، وسنحتاج سنوات وسنوات لرأب هذه الامراض والآفات التي استحكمت داخل المجتمع السوري.
أستاذة جامعية مقيمة في الولايات المتحدة
لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)