أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


شهادة 26 سنة برفقة الحبيس أنطونيوس شينا ووصيتو الأخيرة: كان يعرف يوم مماته

– لم أجنِ مالاً بحياتي، وأرسلت لي العذراء أكثر بكثير مِمّا يُمكن أن أجني (رنده هيدموس – العالمية)

السيد وجيه واكيم في منزله في بلدة حَوقا قضاء زغرتا تُحاوره السيدة رنده هيدموس

السيد وجيه واكيم في منزله في بلدة حَوقا قضاء زغرتا تُحاوره السيدة رنده هيدموس

السيد وجيه واكيم من بلدة حَوقا قضاء زغرتا، هو الرجل الوحيد الذي عاش 26 سنة في محبسة دير بولا التابعة لدير مار أنطونيوس قزحيّا، مع الحبيس الراحل الأب أنطونيوس شينا، هو رجل الله بامتياز، خصّته العذراء مريم بظهورات ورسائل ومهمات خاصة، من أجل خير البشرية. لم يعمل مقابل الكسب المادي، ولكن الله أعطاه بوساطة العذراء، أكثر ما كان يتوقّع. زارته العالـميّة، وحاورته السيدة رنده هيدموس.

الحبيس الأب أنطونيوس شينا

الحبيس الأب أنطونيوس شينا

من هو الحبيس الأب أنطونيوس شينا بحسب معرفتك له؟

ولد عام 1921 وتوفي يوم السبت 3/1/2009، ودفنَ في مدافن الرهبان في دير مار أنطونيوس قزحيّا. درس عند الآباء اليسوعيين ونال البكالوريا، ودرس الفلسفة واللاهوت في فرنسا ونال الإجازة، ومن الجامعة الغريغوريّة في روما نال الدكتوراه في اللاهوت. ارتسم كاهنًا في فرنسا عام 1952، وخدم عشر سنوات في فرنسا وإيطاليا، وصار مستشارًا عامّاً، ثمّ رئيسًا لدير مار أنطونيوس قزحيا، وترك الرئاسة قبل سنتين وتنسّكَ في العام 1982 لمدة 26 سنة. له عدة مؤلفات.

كيف تعرّفتَ على الناسك الأب شينا؟
تعرّفتُ إليه بعد ثمانية أشهر من دخوله محبسة مار بولا مقابل دير مار أنطونيوس قزحيّا. معرفتي به مصادفة، حيث كنتُ بجوار المحبسة والتقيته، فسألته مَن يكون، وأجاب: «أنا الناسك». لم أكن أعرف ما معنى تلك الكلمة، لأنني كنت ما زلتُ ولدًا في الرابعة عشرة من العمر. ولكن بعد ثلاثة أيام، لستُ أدري ما الذي شدّني إليه، فصرتُ أتردّد على زيارته كل يوم عند الثالثة صباحًا، مشيًا على الأقدام من ضيعتي «حَوقا»، ولساعات من المشي.
في السنوات العشر الأولى، لم يكن يقابل أحدًا. كان قداسه كل يوم في الخامسة صباحًا، ثمّ ينصرف للعمل في الحقل، الذي لم يكن يأكل من خيراته، بل كان يرسلها إلى الدير، ويأكل ما يرسلونه له من الدير. كما كان يأكل وجبة واحدة في اليوم. ومن أهمّ أعاجيبه، أنّه أعاد أناسًا للتوبة في سرّ الاعتراف، بعد سنوات طويلة على بعدهم عن الكنيسة.

الحبيس الأب أنطونيوس شينا يعمل في الأرض

الحبيس الأب أنطونيوس شينا يعمل في الأرض

ماذا تذكر من أخباره وقد عشتَ معه 26 سنة؟
بعد سنة على تنسّكه، طلب من شخص اسمه هنري شعيا أن يَجلب له غالون نبيذ من الدير من شخص اسمه يوسف. قال له هنري: «وإذا لم يعطني الرهبان؟» فأجابه: «أنت لا تطلب من الرهبان، إنّما فقط من يوسف.» ويبدو أنه كان يعلم بوفاة يوسف. فراح هنري ووجده ميتًا في غرفته على الكرسيّ، فأخبر الرهبان بأنّ الأب شينا كان يعلم بوفاة يوسف.

حياته النسكيّة كانت قاسية، ونعلم أنه تعرّض لعمليّة جراحيّة بسبب الصوم القاسي. ما ظروف تلك العمليّة؟
بقي وقتًا طويلاً من دون تناول الطعام، حتّى لفّت أمعاؤه بعضها على بعض. فطلب مني أن أقول للزوار أنّ الحبيس في رياضة روحيّة لا يستقبل أحدًا. كنتُ أحزن وأبكي لحاله الصحيّة، حتى وصل فجأةً رئيس الدير الأب أنطوان مقبل والرئيس العام الأب حنا تابت والسفير البابوي إلى المحبسة. فسألني رئيس الدير عن الحبيس، وأخبرته بحاله، فنقله «بأمر الطاعة» لإجراء عملية جراحيّة لم يكن يريدها.

واكيم: يقول الأب شينا: بدون العذراء، العبادة ناقصة، ما كانت وصاياه لك ولقاصديه؟
أهم شيء بالنسبة إليه شفاء النفوس. فكان يوصي أن تكون بيوتنا كنائس صغيرة، وكان يعتقد أنه بدون مريم العذراء تبقى العبادة ناقصة. وكان يطلب منها أن يموت في السبت الأول من الشهر. وكان له علاقة وطيدة بالعذراء، كما كان يعلم أنّ العذراء ترافقني أنا أيضًا، وتُخبرني الكثير من الأسرار لخلاص البشريّة. وقبل وفاته، وقع وكسر وركه، ولم يكن يُخبر أحدًا ليحتمل العذاب بصمت. فقال لي عندها: «إسأل العذراء، ماذا ستفعلين بالحبيس؟» سألتُها فأجابتني: «سآخذه إليّ في 3/1/2009.» لم أخبره، أمّا هو فكان يعلم، بدليل أنه في 2/1/2009 قبل يوم من وفاته، قال لي: «يا وجيه أنت عشتَ معي، فأنت مثل ابني. سأودّعكَ اليوم، لأنني سأموت غدًا.» وأتذكّر أنّ العذراء أيقظتني صباح يوم 2/1/2009 وقالت لي: «قم إلى قداسك، فإنه القداس الأخير مع الأب شينا». والوصية الأخيرة التي قالها لي: «إذا علمْتَ أنّ هناكَ نفسًا بحاجة إلى خلاص، ولو في آخر العالم، إذهب وقدّم لها الخلاص كي لا تهلك.»

لقد عشتَ معه 26 سنة، وخلالها لم تعمل لتكسب رزقك. ونحن نعلم أنّ العذراء رافقتكَ بأعاجيب يشهد لها الرهبان. كيف ذلك؟
أنا لم أجنِ مالاً في حياتي. وبالفعل أرسلت لي العذراء أكثر بكثير مِمّا يُمكن أن أجني. ففي أحد الأيام، أتى إليّ شخص، لا يُحبّ أن أذكر اسمه، وهو يعيش في أميركا. وطلب مني أن أعطيه شهادة سكن وصورة عن هويّتي، ولم أعرف لماذا، فأرسلتُها له. وكان أن اتّصلَ بي من أميركا يقول: سأرسل لك سيارة هدية، فلم أصدّق حتى كانت لي. وهو نفسه زارني في بيتي في «حَوقا»، ووجد أنّ سقف البيت يسرّب المياه، فقال لي: أنا سأعطيك دواء لمنع النش، وغدًا سأرسل مهندسين يكشفون على السطح». وفي اليوم التالي، جاء مهندسون وفريق عمل، وبنى لي من ماله الخاص، طابقًا علويّاً بقيمة 250 ألف دولار أميركي، مع تدعيم الطابق الأرضي، ومع سقف قرميد. وبُنيَ في أربعين يومًا، في فصل الشتاء، مع تسهيلات سماويّة ليساعدنا الطقس. والبيت يرتفع، وأنا أعتقد أنني في حلم. وعلم الرهبان بذلك.

السيد وجيه واكيم أمام بيته الذي تمّ ترميمه هدية

السيد وجيه واكيم أمام بيته الذي تمّ ترميمه هدية

وجيه واكيم المقرّب من حياة القداسة والقديسين. كيف دخلتَ إلى هذا العالم الطاهر؟
أنا من منطقة «حَوقا» قضاء زغرتا. تربيت في عائلة علّمتني صلاة الورديّة كلّ مساء. وكانت الوالدة تعوّدنا على الصوم. ويوم تعرّفتُ إلى الحبيس شينا، كنت في الرابعة عشرة من العمر. علّمني الصلاة من أجل الناس، والعمل في الحقل، وكان يشرح لي الإنْجيل. كنتُ أرود المحبسة كلّ يوم عن الثالثة صباحًا، مشيًا على الأقدام، بالرغم من الطقس المثلج في قريتي التي تعلو حوالي 1400م عن سطح البحر. اهتمّ بي الناسك الأب شينا، وحمّلني رسالة إلى المطران البيسري، الذي قرأها وقال لي: «أنت دعوة خاصّة في الكنيسة»، لأنني لم أكن راهبًا، مع أنّ الجميع يعتقدون أنني راهب.

تقول انّ العذراء كانت تظهر لك بصورة دائمة. ماذا كان يقول لك الأب شينا عندما أخبرته؟
أعطاني مياهًا مقدسة، وقال: «عندما تظهر عليك رشّ عليها المياه المقدسة، فإن كانت من الله بقيت، وإن كانت من الشيطان رحلت. وهكذا فعلت عندما ظهرت لي في الطريق. فأجابتني: «أنا آتية من السماء من صوت الله»، ورسمت إشارة الصليب على وجهها، وقالت: «أنا اخترتك وأنا أريد لك حياتك هكذا. أنا سأكون دائمًا بجانبك. وبعد ذلك الحين، لم ترفض طلبًا لي على الإطلاق.

أنت الذي لا تتقاضى معاشًا من الدير، كيف تعيش؟
أنا أعيش من خير الله. وأحبّ أن أقول: «يوم كنّا فقراء بالمال، كنّا أغنياء بالله، واليوم أصبحنا أغنياء بكل شيء، وصرنا فقراء بالله

موقع الصليب حيث أصلّي، وموقع العذراء حيث الظهور

موقع الصليب حيث أصلّي، وموقع العذراء حيث الظهور

لماذا تتردّد إلى بستان التفاح لتصلّي، وكيف ظهرت لك العذراء هناك؟
أنا أتردّد إلى بستان التفاح لأصلّي منذ طفولتي. وقبل وفاة الأب شينا بخمس سنوات، حصل ظهور في هذه الأرض التي يَملكها قريبي وهو في أوستراليا. فاعتقدتُ أنه حصل لأن الأرض ليست لي. فأخبرته وأعطاني إيّاها، فغرستُها تفّاحًا. وكما نرى في الصورة، في مكان الصليب، حين كنت أصلّي، ظهر نور وانفلش بقرب الصليب، وظهرت العذراء. فأصبح هذا المكان محبستي، أصلّي فيه لجميع الناس.

هل حصلت معك تَجارب عرقل فيها الشيطان مسيرتك؟
كان يُهاجمني ضبع في الطريق ليمنعني من الوصول إلى الناسك. وفي أحد الأيام، كاد يهجم عليّ ليقتلني، فأطلق عليه الراعي النار وقتله. كما كنتُ أرى ظهورات مخيفة في الطريق، حتى رسمتُ إشارة الصليب فاختفى كلّ شرّ، وعلمتُ أنّ الشيطان يعاكسني كي لا أصل إلى المحبسة. والحمد لله ما زلتُ أتابع مسيرتي.

تقول أنك غير متعلّم، وتركتَ المدرسة في الصف الخامس أساسي. فكيف تقيم محاضرات لاهوتيّة في أماكن عديدة؟
ليس أنا من يتكلّم، إنّما قوّة غريبة تَجعلني أقول كلّ شيء. وأنا أقول اليوم: لا المكان يقدّس ولا البذلة تقدّس، أنتِ عليكِ أن تقدّسي الأرض التي تقفين عليها، والناس الذين تلتقينهم. وأودّ أن تكون رسالتي وصلت عبر مجلّة «العالـميّة» لمجد الله وخير الناس.

العالمية العدد 114
لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)

**
الحبيس الأب” أنطانيوس شينا “ولد في بلدة بقرقاشا قضاء بشري (1920). وتوفي عام (2009) في الإسبوع الأول من السنة الجديدة كما أحب قبل مماته، طالباً من السيدة “العذراء مريم” ذلك.