عظة الارشمندريت غريغوريوس اسطفان في أحد حاملات الطيب
19/5/2024
يتطرّق الأرشمندريت غريغوريوس في هذه العظة إلى سيامة الشمّاسة التى حصلت مؤخرًا في بطريركية الإسكندرية.
المسيح قام من بين الأموات ووطىء الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور.
نُقيم اليوم، في الأحد الثاني بعد الفصح، تذكار النّسوة حاملات الطّيب، اللَّواتي، كما يُخبرنا الكتاب المقدَّس، كرَّسنَ ذواتهنَّ لخدمة الرَّبّ يسوع المسيح. فكنَّ يتبعنه ويخدمنه ويخدمنَ تلاميذه.
بعد أن خلقَ الله آدم ومنحه السلطة، خلقَ حوَّاءَ لتكونَ معينةً لآدم. وهكذا حدّدَ الله للرجلِ خدمةً، وللمرأةِ خدمةً أخرى، لِيُكَمِّلا بعضهما البعض. وسارت الكنيسة بحسب هذا الترتيب الذي حدَّدَه الله لخليقته. أمَّا في أيَّامنا هذه، فنرى انقلابًا للمعادلة، وتشويهًا للنظام الذي وضعه الله منذ بدء الخليقة.
نرى اليوم ترويجًا في الأوساط الكنسيَّة لكهنوت المرأة، من إكليريكيّين وعلمانيّين. وسمعنا في الآونة الأخيرة عن سيامة شمّاسةٍ في الكنيسة الأرثوذكسيَّة في زيمبابوي، التابعة لبطريركيَّة الإسكندريَّة. شمّاسة تشارك في الخدمة اللّيتورجيَّة، تتلو الطلّبات، وتناول المؤمنين جسد ودم ربّنا يسوع المسيح. مع العلم أنَّ الشمّاسات في الكنيسة الأولى كنَّ كحاملات الطّيب. وكانت تقتصر خدمتهنَّ على مساعدة الأساقفة في معموديَّة النساء، ومَسْحِهنَّ بالميرون المقدَّس، لئلَّا يلمس الأسقف جسد المرأة. ففي ذلك الحين، كَثُرَت الاهتداءات إلى المسيحيّة، وكان معظمهم من البالغين. لكن، بعدما انتشرَت المسيحيَّة بشكلٍ أوسَع في الإمبراطوريَّة، لم يعد هناك حاجةٌ لهذه الخدمة، إذ صارَت معموديَّة الأطفالِ أكثر شُيوعًا من معموديَّة البالغين. منذ ذلك الحين (القرون الأولى)، توقَّفت سيامة الشمّاسات في الكنيسة.
هناك ترويج في الكنيسة لأمور غريبة لم تكن موجودة في تاريخ الكنيسة وتقليدها. فهذه السيامة هي بدعةٌ تصل إلى حدّ الهرطقة حتّى. ونسمع أصواتًا تطالب بالمساواة بين الرَّجل والمرأة، وكأنَّ الكنيسة ظلمَت المرأة عندما حدَّدَت لها دورًا! نرى انقلابًا في الأدوار، انقلابًا في الخدمة. الله، كما قلتُ في البداية، أعطى لكلّ واحدٍ دورَه، أمّا الآن فكلُّ واحدٍ يبتغي أن يأخذ دور الآخَر. نرى أيضًا ترويجًا كبيرًا للشذوذ الجنسيّ والتحوّل الجنسيّ، ولكهنوت المرأة من قبل إكليريكيّين وعلمانيّين أرثوذكسيّين. الأساقفة والكهنة مُقامون من الله خدَّامًا لكلمته، وأُمَناء على تقليد كنيسته. كل أسقف أو كاهن أو علمانيّ، يُخِلُّ بهذه الأمانة، ويشوّه إيمان الكنيسة والتقليد الشَّريف، هو خادمٌ للشيطان لا للمسيح، ما من حلّ وسطيّ في المسيحيّة. قال المسيح إمَّا أن تكون معي أو مع إبليس. كل من يشوّه الإيمان والتقليد ويدنّس القدسات، كما فعل المطران الأرثوذكسيّ لأبرشيَّة أمريكا، التابع للبطريركيَّة المسكونيَّة، بتعميده لأولاد متبنّين من قبل زوجَين من الجنس نفسه، هو خادمٌ للشيطان ومُدَنِّس لأسرار الكنيسة.
هذا ما يحدث في أيّامنا هذه، ومن المتوقَّع أن نرى أكثر من ذلك. نقرأ في الكتاب المقدَّس عن زمن الارتداد. هذا الارتداد هو ابتعادٌ عن الإيمان الحقيقيّ بيسوع المسيح الإله الحقيقيّ، وترويجٌ لمسيحٍ مشوَّه. أولئك الأساقفة والكهنة الّذين يروّجون لمسيحٍ مشوَّهٍ، هم خدَّامٌ لسلاطين هذا الدَّهر، وخدَّامٌ لنظامٍ عالميٍّ جديد يروّج لتغيير نظام الخليقة كلّه، وخدَّامٌ لروح العصر التي تريد أن تُعَصْرِن الكنيسة، كنيسة المسيح السماويَّة، لتحوّلها إلى كنيسة من هذا العالم، إلى مؤسّسةٍ دهريَّة لا تختلف بأيّ شيءٍ عن سائر المؤسّسات والجمعيّات والأحزاب الدنيويَّة.
على الكنيسة أن تكون أمينةً لكلّ ما تسلَّمته من المسيح، تمامًا كالنسوة الحاملات الطّيب اللَّواتي لم يخرجن عن طاعة المسيح، ولم يبتكرنَ أيَّ شيءٍ جديدٍ، بل خدمنَ الربَّ ورسله بكلّ قدرتهنَّ. أمَّا رسل المسيح فكرزوا وخدموا الأسرار، وصاروا ركيزةً لانتشار كنيسة المسيح.
على كلّ منَّا أن يواجه هذه الرُّوح الدهريَّة الشيطانيَّة التي تسعى إلى تحطيم كلّ تقليد الكنيسة وأسس الإيمان. فنحن نشهد اليومَ تحوُّلًا خطيرًا عن الإيمان. والأخطر من ذلك هو الصمت. كلّ أسقف أرثوذكسيّ يصمت عن كلّ ما يجري هو شريكٌ في هذا العمل. مهمَّة الأسقف الأولى هي حفظ الإيمان، وإن صَمَتَ، يكون، شاءَ أم أبى، مُشارِكًا في هذا التخاذل. ويصير أولئك المقامون حَفَظةً للإيمان، مدنِّسين لإيمان الكنيسة وأسرارها، ومهلِّلين لكلّ ما يناقض تقليد الكنيسة الشَّريف، وعُمَلاء مأجورين لروح العصر.
كلّ الذين يساهمون في ذلك لا يعرفون التقليد، ولا يعيشونه. إنَّما يريدون كنيسةً تقبل كلَّ الهرطقات وتحوّلات هذا العصر. فيكونون بذلك أبناء روحٍ شيطانيَّة، وخدَّامًا للشيطان الذي يسعى لإضعاف كنيسة المسيح ليتمكَّن من فرض نظامه وشريعته في هذا العالم.
الكنيسة تتقوَّى بإيمانها، وبحفظها للتقليد الشَّريف. هكذا تكون أمينةً للمسيح، وهكذا تواجه سلاطين هذا الدَّهر. لكن، إن سمحت بدخول الهرطقات وبتدمير الإيمان، ستقوى عليها أبواب الجحيم. هذا ما يبتغيه الشيطان وعملاؤه، من أساقفة وكهنة وعلمانيّين مستسلمين لروح العصر.
لا تتأثَّروا بكلّ تلك الأمور النّاتِجة عن الإحتكام للمنطق البشريّ، التي لا تنادي إلَّا بمحبَّة زائفة. المحبَّة الحقيقيَّة هي في المسيح، وهي ثمرة الإيمان الحقيقيّ به. كلّ من لا يؤمن بيسوع المسيح، لا يقدر إلَّا أن يحبَّ نفسه. من يحبّ المسيح يكون أمينًا له ولوصاياه، ولتقليد الكنيسة. هكذا نحبّ المسيح، ونحبّ بعضنا بعضًا، ونُخضع مشيئتنا لمشيئة المسيح، ونصير خدَّامًا أمناء.