دولي بشعلاني-
أصبح شبه مؤكّد بأنّ «صفقة القرن» التي ستقوم الإدارة الأميركية بإعلانها مبدئياً بعد انتهاء شهر رمضان أي في النصف الأول من حزيران المقبل، ستنصّ، بحسب المعلومات التي جرى تسريبها عن قصد لجسّ نبض المعنيين بها، على قضم إسرائيل لمزارع شبعا اللبنانية المحتلّة على غرار ما ستفعل في الجولان السوري بعد أن اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار الإعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وستضمّهما ضمن حدود الدولة الإسرائيلية التي ستنشأ على إثر هذه الصفقة.
أمّا الحجّة فهي أنّ المزارع «سورية»، وليست لبنانية، وهي جزء من هضبة الجولان، من وجهة النظر الأميركية وكذلك الإسرائيلية، ما يجعلها خاضعة للقرار الدولي رقم 497 الذي دعا إسرائيل في العام 1981 الى إلغاء ضمّ مرتفعات الجولان السوري بحكم الواقع والذي لم تُطبّقه إسرائيل، ونقضته أخيراً بحكم قرار ترامب، وليس الى القرار الدولي رقم 425 الذي دعا إسرائيل الى سحب جميع قوّاتها من الأراضي اللبنانية في العام 1978، والذي تدّعي أنّها طبّقته من خلال انسحابها من المنطقة الجنوبية اللبنانية في العام 2000، رغم بقاء احتلالها لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشرقي من بلدة الغجر.
وحول اللغط الحاصل فيما يتعلّق بتطبيق إسرائيل للقرار 425 أو عدم تطبيقه بالنسبة للأمم المتحدة، أوضحت أوساط ديبلوماسية مطّلعة، على أنّ الأمم المتحدة اعتبرت أنّ إسرائيل انسحبت من الجنوب اللبناني في العام 2000، لكنّها لم تحسم مسالة انسحابها من جميع الأراضي اللبنانية وتحديداً من مزارع شبعا. ولهذا فإنّ القرار 1701 الصادر عام 2006، دعا في الفقرة 2 حكومة إسرائيل الى سحب جميع قوّاتها من الجنوب اللبناني بالتوازي مع انتشار الجيش اللبناني فيه، ولو كانت منسحبة بشكل كامل لما كان القرار أعاد تكرار دعوتها الى الإنسحاب من جميع الأراضي اللبنانية. كذلك نصّت الفقرة 10 على مطالبة الأمين العام «ترسيم حدود لبنان الدولية، خصوصاً في تلك المناطق حيث هناك نواع أو التباس، بما في ذلك معالجة مسألة مزارع شبعا، وتقديم تلك الإقتراحات الى مجلس الأمن في غضون 30 يوماً».. وهذا الأمر يؤكّد أنّ مسألة تحديد ملكية مزارع شبعا لا تزال عالقة في الأمم المتحدة أيضاً الى حين التوصّل الى ترسيم الحدود الدولية للبنان.
وتفيد المعلومات بأنّ مزارع شبعا هي منطقة تقع على الحدود بين لبنان وسوريا (عند هضبة الجولان) وفلسطين المحتلّة، وتبلغ مساحتها نحو 25 كلم2 تقريباً وهي غير مرسّمة دولياً. تعلو بعض مزارع شبعا نحو 1200 متر عن سطح البحر كمزرعة برختا فيما تنخفض أخرى مثل مزرعة المعز لتوازي مستوى سطح البحر. وتسيطر إسرائيل حالياً على 12 مزرعة (من أصل 14) تقع بين جبل السماق وقمّة جبل روس شمالاً، ووادي العسل جنوباً. إلاّ أنّ «الخط الأزرق» أو «خطّ الإنسحاب» الذي رسمته الأمم المتحدة في العام 2000 أبقى 7 نقاط ضمن هذه المزارع موضع نزاع. وكان طالب الأمين العام في العام 2006 تقديم الإقتراحات لتسويتها، غير أنّ ذلك لم يحصل. ورغم مطالبة لبنان المستمرّة بممارسة سيادته على عموم منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر، لم تفرض الأمم المتحدة حتى الآن أمر الإنسحاب الفوري منها من الجانب الإسرائيلي.
علماً أنّ لبنان الرسمي يعتبر مزارع شبعا «لبنانية» نظراً لملكية اللبنانيين لأراضيها، على ما أكّدت، وقد اعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال كلمته في القمّة العربية التي عُقدت في تونس في أواخر آذار الماضي، أنّ «قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، واعترافه قبل ذلك بالقدس عاصمة لها، لا يُهدّد سيادة دولة شقيقة فحسب، بل يُهدّد أيضاً سيادة الدولة اللبنانية التي تمتلك أراضٍ قضمتها إسرائيل تدريجياً، لا سيما في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، والملكية اللبنانية لهذه الأراضي مثبتة بالوثائق والخرائط المعترف بها دولياً».
وبناء على أنّ الدولة تعتبر مزارع شبعا لبنانية، فإنّ أي محاولة من قبل إسرائيل بالسيطرة عليها أو ضمّها الى حدود دولتها المستقبلية من ضمن «صفقة القرن»، ستُواجه بالتأكيد من قبل لبنان. وأشارت الأوساط نفسها، الى أنّ المجلس الأعلى للدفاع قد اتخذ قراراً بالتصدّي لإسرائيل بالقوّة عندما حاولت التعدّي على السيادة اللبنانية أخيراً من خلال بناء الجدار الإسمنتي الفاصل عند الحدود الجنوبية عند الخط الأزرق، فكيف بالحري في حال اقتطعت المزارع والتلال والقسم الشمالي من بلدة الغجر من مساحة لبنان؟!
وأوضحت الأوساط بأنّ المقاومة التي تُدافع عن مزارع شبعا وتؤكّد على لبنانيتها، لن تكون الوحيدة التي ستُواجه إسرائيل في حال فكّرت بالإستيلاء على المزارع، بل أيضاً الجيش اللبناني المخوّل الحفاظ على السيادة اللبنانية من أي اعتداء أو خرق. غير أنّ لبنان يفضّل اللجوء الى الأمم المتحدة وتثبيت حقّه في المزارع كونها بغالبيتها مملوكة من اللبنانيين، وإن كانت محتلّة حالياً من قبل القوّات الإسرائيلية. من هنا، سيكون على الولايات المتحدة وإسرائيل إعادة حساباتهما فيما يتعلّق بالأراضي اللبنانية المحتلّة، وعدم التفكير بدمجها ضمن حدود دولة إسرائيل، وإلاّ فإنّهما ستفتحان الباب أمام حرب بين لبنان والجانب الإسرائيلي لتحريرها من قبضة إسرائيل.
ولهذا فعلى الولايات المتحدة وإسرائيل، على ما تنصح الأوساط نفسها، الإبقاء على هذه المنطقة عالقة في حال كانتا تودّان فعلاً تجنّب أي حرب جديدة في المنطقة، أو تنفيذ الإنسحاب الإسرائيلي منها في حال كانت «صفقة القرن» ستعمل فعلاً على إحلال السلام في المنطقة. ففي حال سيطرت إسرائيل على مرتفعات الجولان وفق الصفقة من دون أي اعتراض على ذلك من قبل سوريا أو حتى المجتمع الدولي، فإنّ بقاءها في مزارع شبعا لا يعود له أي منفعة، لا بل يُشكّل خطراً دائماً عليها أكثر من انسحابها منها.
وفي رأيها، إنّ خيار انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا سيكون الأفضل لجميع الأطراف، إذ يسحب بذلك ورقة تحرير المزارع من «حزب الله»، فلا يعود يُشكّل أي خطر عليها. وما دامت ستلتزم إسرائيل بعدم التعدّي على الدول المحيطة، كونها تريد العيش بسلام في المنطقة، وفق الصفقة، فمن الأفضل لها الإنسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة، وألاّ تقوم بعد ذلك باستفزار «حزب الله» في أي من ادّعاءاتها الراهنة أو المستقبلية.
-الديار-