لن يكون الوفد اللبناني المشارك في مؤتمر بروكسل «لدعم النازحين» الذي يُعقَد اليوم أفضل حالاً من الواقع الداخلي المثقل بالأزمات المتنوّعة والمفتوحة على احتمالات عدة، كما لن يكون بروكسل 2019 مختلفاً عن مؤتمرات السنوات الماضية التي لم تأتِ بحلول لأزمة النازحين أو على الأقل لم تضع خارطة طريق دولية واضحة لمعالجة تدريجيّة لأزمة نزوح كانت نتيجة حرب غربية خليجية تركية على سورية كان المجتمع الدولي فيها متواطئاً وشاهد زور، فمنظمات هذا المجتمع الموالي للسياسات الأميركية لم يسعَ يوماً بالحد الأدنى الى نقل مساعداته للنازحين الى سورية، بل تشكل إجراءاته استمراراً للسياسة الأممية والإقليمية في التعامل مع أزمة النزوح في المنطقة لا سيما في لبنان، وهي ضمان بقاء النازحين في دول النزوح مقابل حزمة من الدعم المالي والمشاريع المرفقة بسلّة شروط سياسية ومالية وتوظيفية ما يُؤدي في نهاية المطاف الى توطين غير مباشر للنازحين أو ما يُعرَف بالتوطين «المقنع».
فمؤتمر بروكسل بنتائجه لن يكون أفضل من المؤتمرات السابقة، كما يقول لـ»البناء» مصدر وزاري سابق معني بهذا الملف، بل إنه «سيكرس الانقسام الداخلي حيال هذا الملف ولن يحمل حلولاً جذرية، بل مسكنات تؤدي الى بقاء النازحين في الدول الموجودين فيها».
وينقل الوزير السابق عن مصادر دبلوماسية وأممية مطلعة لـ»البناء» بأن «الموقف الدولي لم يتبدل من الأزمة، فالولايات المتحدة ودول الخليج والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية لن تدفع دولاراً واحداً لا للنازحين ولا لإعادة الإعمار قبل التوصل الى حل سياسي في سورية، وهذا ما أبلغه الموفدون الدوليون مؤخراً للمسؤولين اللبنانيين».
7.5 مليار دولار للنازحين!
وفي سياق ذلك، تشير مصادر مطلعة على ملف النازحين لـ»البناء» الى أن «7 مليارات ونصف المليار دولار حصيلة جميع المؤتمرات التي عقدت من أجل دعم النازحين السوريين في لبنان»، إلا أن الفضيحة التي لا يتجرّأ أحد على إعلانها هي «أن 20 في المئة منها فقط مرّت عبر الحكومة والوزارات الرسمية المعنية، فدول الخليج كانت ولا تزال ترسل مساعداتها للنازحين عبر جمعيات سنّية والقليل منها تمر عبر وزارتي النازحين والشؤون الاجتماعية وتقلصت مع انقسام الموقف الداخلي بعد تولي الوزارة معين المرعبي، حيث باتت معظمها تصل الى النازحين مباشرة». ما يطرح أسئلة عدة حول تسليم هذه المبالغ المالية الضخمة الى جمعيات دون دخولها الى خزينة الدولة ما يشكل مخالفة للقوانين المحلية؟ ومن كان يراقب وجهة وكيفية صرفها؟ وأي وظيفة تؤديها؟ وهل كان جزء منها يذهب لتمويل التنظيمات الإرهابية ولاستخدامها في الصراع السياسي الداخلي؟
أما ما يُثير الاستغراب فهو مشاركة لبنان في بروكسل بلا ورقة أو رؤية موحّدة لملف النازحين يطرحها على المؤتمرين وبلا تنسيق حكومي مسبق، ما يطرح علامات استفهام: لماذا لم يطرح رئيس الحكومة سعد الحريري مشاركة لبنان في المؤتمر في مجلس الوزراء لجهة تشكيل الوفد ومضمون الموقف اللبناني هناك؟ هل كي يتجنّب المساءلة المسبقة من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء واختار فرض أمر واقع على الجميع؟ ما يشير الى أن سلوك الحريري يخفي أمراً ما يتعلق بشروط والتزامات دولية أكبر من طاقته على مواجهتها! وما يعزز الشكوك توقيت زيارة رئيس الحكومة المفاجئة الى السعودية وزيارته بعبدا فور عودته وحسم أمر مشاركة وزير شؤون النازحين صالح الغريب بأن «رئيس الحكومة يمثل لبنان في بروكسل ويتحدث باسمه»!
وتشير المصادر نفسها الى أن «الحريري لا يستطيع مجاراة موقف بعبدا وحزب الله و8 آذار في ملف النازحين، إذ إن الولايات المتحدة ودول الخليج لم تقتنع بعد بالعودة الآمنة للنازحين الى سورية أي كما يريد لبنان بحسب بيانه الوازري، بل مستمرة في سياساتها السابقة ولم يحصل اي تعديل عليها للأسباب التالية:
إبقاء ملف النازحين ورقة ضغط على الرئيس السوري بشار الأسد واستخدامه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لا تريد الدول منح الرئيس الأسد «شهادة حسن سلوك» ودعم شرعية بقائه.
إن عودة النازحين تسرّع وتسهّل الحل السياسي في سورية كما إعادة الاعمار وهو ما لا تريده قوى الحرب على سورية قبل تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية من سورية وحلفائها.
وتكشف المصادر أن «خلال العام 2018 فقط بلغ حجم مساعدات 10 دول للبنان 4 مليارات و500 مليون دولار لم يدخل منها إلى الخزينة اللبنانية سوى 21 مليون دولار ما يعني ان الدول المانحة تتجاوز سلطة الدولة وسيادتها الوطنية. كما تكشف بأن «منظمة النجدة الإسلامية الفرنسية ترفض تسليم المساعدات الى النازحين مباشرة كما تشترط لتنفيذ بعض المشاريع الصغيرة توظيف 30 في المئة من النازحين».
وتضيف أن «البنك الدولي جمّد تنفيذ مشاريع بـ 70 مليون دولار إلا بشرط توظيف 25 في المئة من السوريين كما اشترطت منظمة أميركية تعتزم تنفيذ مشاريع زراعية توظيف عاملين سوريين في قطاع الزراعة ولم تحدّد أي نوع من العمالة بل عمال مزارعين ومهندسين وفنيين وغيرها من المهن التي تمنع القوانين اللبنانية مزاولتها على العامل الأجنبي».
وتخلص المصادر الى التحذير من أن «المشروع الدولي والإقليمي لتوطين النازحين مستمر، داعية الحكومة الى التوحّد خلف موقف وطني جامع لرفض المخطط». وتضيف بأن «الحل ليس بيد المفوضية السامية لشؤون للأمم المتحدة لشؤون النازحين بل بيد الدول الفاعلة، أما المنظمات الأممية فتنفذ البرامج وتدير الأزمات، لكن يمكنها لعب دور إيجابي على صعيد التأكيد بأن النازحين الذين يعودون الى سورية يلقون معاملة جيدة من قبل سلطات بلادهم. فالقوى الكبرى ترفض حتى الآن التعهد لروسيا وللبنان ضمان استمرار المساعدات في حال عودة النازحين الى سورية ما يعيق أي توجه حكومي لعودتهم في إطار المبادرة الروسية».
-البناء-