أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


دمشق – حلب”: تكثيف وقراءة الأبعاد الاخرى للحرب السورية

عامر ملاعب-

لم يكن تأثير الدقائق المئة والعشرون عادياً خلال مشاهدة فيلم جديد بتوقيع باسل الخطيب، هي مرت كأنها عقدٌ من زمن الحرب السورية. هي لحظات طويلة مزجت بين الدموع والابتسامات، بين زمنين ما زالا قيد الانفكاك والابتعاد، بين جيلين اختصر كلٍ منهما ما يكفي ليمثل تجربة، بين عوالم من الخوف والتعب والموت والسياسة والامن والاقتصاد والنظام والخروج على القانون، في هذه الدقائق يتكثف الكثير من الزمن والاحداث دون تصنع، والاهم أن هذه الدقائق تقول الكثير بأسطر ومشاهد قليلة بتوقيع كبار من هذه “السورية”.

واذا كان الحدث بنفسه أولاً جديداً، في السينما، بعيداً عن الدراما السورية التي ملأت الشاشات الصغيرة وعن جدارة احتلت صدارة البيوت العربية وربما أكثر، فإن فيلم دمشق – حلب سيكون حدثاً كبيراً وجلياً. فبالإضافة الى الصورة التقنية الباهرة للعين بلمسات مخرج كبير، واذا كان للنص وقعه المتين على عقل وعاطفة المشاهد، كذلك كان، كما هي عادتهم، أداء الممثلين الرائعين جميعاً ودون استثناء.

القصة تدور أحداثها في سورية، ربيع 2017، عيسى عبد الله، المذيع اللامع في الماضي، يعيش وحيداً بعد أن فقد رفاق دربه والناس الذين أحبهم واحداً تلو الآخر، مع تحرير مدينة حلب يقرر عيسى الذهاب إليها لزيارة ابنته الوحيدة دينا، التي لم يرها منذ سنوات بسبب الحرب.

الطريق من دمشق إلى حلب، رحلة في عمق الحياة والشخصيات التي يصادفها عيسى. رحلة أشبه بمرآة تعكس الواقع السوري بكل تناقضاته المأساوية والساخرة… رحلة تبرز أفضل ما في الإنسان من قيم النبل والتعاطف والمحبة والقدرة على المواجهة… رحلة لن تكون بدايتها شبيهة بنهايتها… .

لا بد لعين مشاهد الفيلم من ان تذرف الدموع وتتدفق الاحاسيس الجياشة، ليس فقط لدوافعه الانسانية والاخلاقية الجياشة، ولا لقدرة صانعيه على استيلاب مشاعرنا، بل انها حلب والطريق اليها على انغام اغنية “يا رايحين لحلب…”، هي مدينة الحب والعطاء وهي المدينة الجذابة والخلاقة في التقاط “ألباب” كل من يعرفها.

وهنا يأتي الفيلم كي يكثف الكثير من الاحداث والقصص السورية، والعنوان بحد ذاته يربط بين شمال البلاد وجنوبها بما تمثلاه مدينتي دمشق وحلب وما بينهما، ومن يعرف ذاك الطريق، شريان الحياة، يعرف معنى طعم “الهريسة” في النبك او ان تكحل عيونك بمشاهدة حمص او كل المدن والقرى والدساكر في هذه المساحة الممتدة على طول 400 كلم بين عاصمة الامويين دمشق في الجنوب وعاصمة الاقتصاد والتنوع و”مأثرة” المطبخ السوري والعربي حلب في الشمال.

ولا ننسى أن الفيلم من انتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا، والتي تعتبر حتى الآن من أقوى مرجعيات الإنتاج الرسمي في الوطن العربي، وهي استعادت دورة النشاط اللافت في مشاريعها من خلال إنجاز فيلم يُصوّر واقع الناس بعد تحرير حلب، وبعد كل ما جرى في سورية. وهذه بحد ذاتها تسجل للدولة السورية التي رعت وترعى الفن والثقافة والحضارة بأوجهها كافة، وهو ما قد يكون احد اهم اسباب الحرب عليها.

دمشق – حلب أكثر من فيلم روائي، كما عُرّف به، هو أشبه بوثائقي متعدد الاهداف وليس عن تنوع مجتمع سورية وتعدده، هو شريط يحكي صراع الاجيال واختلاف اهتماماته، يحكي واقع البلد اليوم والتدخلات الخارجية فيه، وليس تفصيلاً مشهد ان يقتطع الجندي العربي السوري مساحة من الحي في حلب ويضع عليها الشريط التحذيري من الالغام بانتظار القوات الروسية لتفكيكها ثم يتبين لاحقاً ان لا الغام هنا فينتزعها مفسحاً المجال امام الجميع، انها رمزية الفكرة والمكان في عقل ووجدان ابناء البلد.

دمشق-حلب من الانتاجات الجميلة جداً في الفترة الاخيرة، واننا بانتظار عودة سورية التي نعرفها في الفن والثقافة والحضارة كي نعوض ما فاتنا في مرحلة الحرب القذرة والتي خرجت منها بقلبٍ أقوى رغم الجراح.

دمشق-حلب من اخراج : باسل الخطيب، وبطولة دريد لحام، صباح جزائري، سلمى المصري، عبد المنعم عمايري، كنده حنا، نظلي الرواس، علاء قاسم، نادين قدور، نيرمين شوقي.

اما السيناريو فإنه بتوقيع تليد الخطيب والموسيقى التصويرية لسمير كويفاتي.

وقد نال الفيلم جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عام 2018 مع جائزة التمثيل الكبرى للفنان دريد لحام.