أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


البابا يرفع العقوبات الكنسية عن الكاهن إرنستو كاردينال لنشاطه السياسي

– هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساك. هوذا على كفي نقشتك (أشعيا 49)

*♱*

مقابلة الأربعاء العامة البابا فرنسيس، مع وفود الحجاج والمؤمنين في قاعة البابا بولس السادس بالفاتيكا، يتحدث عن محبة الله الآب، حول صلاة الأبانا..  (20 شباط 2019)

بدأت المقابلة العامة بقراءة من سفر النبي أشعياء الفصل 49 “وقالت صهيون: قد تركني الرب، وسيدي نسيني. هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساك. هوذا على كفي نقشتك“.

قال البابا:

أيها الأخوة والأخوات الأعزاء صباح الخير.

دعونا نتابع التعليم حول الأبانا. إن الخطوة الأولى من كل صلاة مسيحية هي الدخول في سر ألله وهو سر أبوة الله. وكي نفهم معنى أبوة الله لنا، نفكّر بصورة الوالدين، لكن يتعين علينا أن ننقي هذه الصورة ونصفّيها. وهذا ما يشدد عليه أيضا كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية مؤكداً “أن تطهير القلب يتعلق بتصورات الأمومة والأبوة المأخوذة من تاريخنا الشخصي والثقافي، والتي تؤثّر في علاقتنا بالله”.

ولفت فرنسيس إلى أنه لا يوجد شخص لديه والدان كاملان، كما أننا بدورنا لن نكون أبداً والدين أو رعاةً كاملين. إن علاقات المحبة التي نعيشها تتم ضمن محدوديتنا، وهي أيضا عرضة لأنانيتنا بالتالي إنها تتشوه بسبب الرغبة في السيطرة على الآخر. لذا فإن الإعلان عن الحب يتحوّل أحيانا إلى شعور بالغضب والعدائية.

هذا ثم أكد البابا أنه عندما نتحدث عن الله كأب، وإذ نفكّر بصورة والدينا، خصوصا إذا ما أحبانا، قد نطالب بالذهاب أبعد من ذلك. إن محبة الله هي محبة الآب الذي في السماوات، بحسب العبارة التي دعانا يسوع إلى استخدامها: إنها المحبة التامة التي نتذوقها في هذه الحياة بطريقة غير كاملة. وأشار فرنسيس إلى أن الرجال والنساء هم دائماً أبداً يستعطون المحبة، يبحثون عن فسحة يشعرون فيها أنهم محبوبون، لكن لا يجدونها. كم من الصداقات وعلاقات الحب التي باءت بالخيبة في عالمنا!

بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن إله المحبة الإغريقي فقال إننا لا ندرك ما إذا كان كائناً ملائكياً أم شيطانياً. وتقول الميتولوجيا إنه وُلد من إلهَي الحنكة والفقر، وقُدّر له أن يحمل في ذاته شيئاً من هيئة هذين الوالدين. ومن هذا المنطلق يمكن أن نفكّر بالطبيعة الثنائية للحب البشري: القادر على النمو ويعيش متسلطاً لساعة في اليوم قبل أن يضمحل ويموت. وما يسعى إلى امتلاكه يهرب دائماً من بين يديه، كما يقول أفلاطون. وأشار البابا في هذا السياق إلى آية من سفر النبي هوشع “إن إحسانكم كسحاب الصباح، وكالندى الماضي باكرا”. هكذا هو حبنا: إنه وعد يصعب التقيّد به، إنه محاولة تزول عاجلاً، تماماً كما تشرق الشمس في الصباح وتأخذ معها الندى الذي تكوّن في الليل.

هذا ثم تساءل البابا:

كما مرة أحببنا نحنُ بهذه الطريقة الضعيفة. لقد رغبنا في محبة الآخر، لكن سرعان ما اصطدمنا بمحدوديتنا، وبفقر قوانا. نجد أنفسنا عاجزين عن الحفاظ على وعد بدا انجازه سهلاً أيام النعمة. حتى القديس بطرس الرسول شعر بالخوف واضطر إلى الهرب. إننا كالمتسولين الذين قد لا يجدون هذا الكنز الذي يبحثون عنه منذ اليوم الأول من حياتهم: ألا وهو الحب. لكن ثمة حب من نوع آخر، إنها محبة الآب الذي في السماوات. ينبغي ألا يشك أحد بأنه هو أيضا موضوع هذا المحبة. حتى إن لم يحبنا آباؤنا وأمهاتنا، ثمة إله في السماوات يحبنا أكثر من أي شخص آخر على هذه الأرض.

وذكّر البابا المؤمنين بما جاء في الفصل 49 في سفر النبي أشعياء: “هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساك. هوذا على كفي نقشتك“. حتى إذا انهار كل حبنا على هذه الأرض ولم يبق في أيدينا سوى حفنة من الغبار، ما نزال نملك محبة الله الفريدة والأمينة.

وأضاف البابا قائلاܳ: ضمن الجوع إلى الحب، الذي نشعر به جميعاً، دعونا لا نبحث عن شيء غير موجود: إن هذا الجوع هو في الواقع دعوة للتعرّف على الله الذي هو أب. وذكّر فرنسيس بارتداد القديس أغسطينوس الذي كان يبحث ببساطة بين المخلوقات عن شيء لا يستطيع أحد أن يوفّره له. فكانت له يوماً شجاعة أن يرفع نظره إلى الأعلى، وفي ذلك اليوم تعرف على الله. ولفت فرنسيس إلى أن كلمة “في السماوات” لا تريد التعبير عن المسافة البعيدة، بل عن اختلاف جذري، عن بعد آخر.

في الختام دعا البابا المؤمنين إلى عدم الشعور بالخوف، مذكراܳ بأننا لسنا وحدنا. حتى إذ نسيك وللأسف أبوك الأرضي، وإن كنت حاقداً عليه، ما تزال متاحة أمامك الخبرة الأساسية للإيمان المسيحي: ألا وهي أن تدرك أنك ابن محبوب لله، ولا يوجد شيء في هذه الحياة يمكن أن يغيّر هذا الواقع.

بعد نهاية تعليمه الأسبوعي، وجّه البابا فرنسيس تحياته إلى وفود الحجاج والمؤمنين وحيا أيضا الناطقين باللغة العربية، وقال: أرحّب بالحاضرين الناطقين باللغة العربية، وخاصة بالقادمين من الأردن والأراضي المقدسة والشرق الأوسط. إن قلب الإنسان الحائر لا يجد سلامه إلا في محبة الله المخلصة. في الحقيقة، فقط وحدها محبة الله الآب هي القادرة على إرواء عطشنا الدائم للمحبة. ليبارككم الرب جميعاܳ ويحرسكم دائمًا من الشرير.

***

البابا يرفع العقوبات الكنسية عن الكاهن إرنستو كاردينال

قرر البابا فرنسيس أن يرفع كل العقوبات الكنسية التي فُرضت على الكاهن إرنستو كاردينال بسبب نشاطاته السياسية في نيكاراغوا، خصوصاً بعد أن شارك كوزير للثقافة في حكومة الرئيس دانيال أورتيغا، وقد حصل كاردينال على بركة البابا من يد السفير البابوي في ماناغوا المطران سومرتاغ فيما هو قابع في المستشفى بسبب وضعه الصحي الخطير.

السفير البابوي في نيكاراغوا المطران فالديمار سوميرتاغ أكد في بيان له أن البابا رفع جميع العقوبات الكنسية عن الكاهن المذكور البالغ من العمر أربعة وتسعين عاماً، والذي مُنع من ممارسة خدمته الكهنوتية في الثلاثين من كانون الثاني يناير من العام 1985.

وأضاف أن إرنستو كاردينال قبل آنذاك بقرار البابا والتزم به تماماً طيلة أربع وثلاثين سنة، ولم يقم بأي نشاط رعوي، كما تخلى منذ سنوات طويلة عن أي نشاط سياسي. هذا وقد احتفل المطران سومرتاغ بالقداس مع الكاهن كاردينال في أحد مستشفيات ماناغوا، حيث يخضع هذا الأخير للعلاج منذ مطلع شهر شباط فبراير الجاري.

وأبلغه بقرار البابا فرنسيس القاضي بإعادته إلى حضن الكنيسة الكاثوليكية ككاهن، ومنحه الدبلوماسي الفاتيكاني أيضا بركات البابا كي يتمكن من عيش هذه اللحظات الأخيرة من حياته بسلام مع الله والكنيسة. وقد عبّر الكاهن المسن عن امتنانه الكبير للبابا والسفير البابوي وقال إنه سُرّ جداً بهذا القرار.

الكاهن كاردينال احتفل إذاً بقداسه الأول منذ أكثر من ثلاثين عاماً، أي لدى إبلاغه بقرار الفاتيكان. وكان البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، وخلال زيارة قام بها إلى نيكاراغوا في العام 1983 قد دعا إرنستو كاردينال وبشكل علني إلى الاستقالة من منصبه كوزير للثقافة في حكومة دانيال أورتيغا والالتزام بالتوجيهات الكنسية القانونية. وبعد أن رفض تلك الدعوة قرر البابا فويتيوا منعه من ممارسة نشاطه الكهنوتي والرعوي.

في العام 1994 انسحب من حزب التحرير الوطني الذي يتزعمه أورتيغا منتقداً ما سماها بتوجهات الحزب السلطوية.

وكان السفير البابوي في ماناغوا قد زار الكاهن المسن والمريض في أكثر من مناسبة مع العلم أن كاردينال هو كاهن ولاهوتي وشاعر معروف جداً في أمريكا اللاتينية، وقد أطلق في مطلع ثمانينيات القرن الماضي حملة لمحو الأمية وحظي في أعقابها على تنويه كبير من هيئة اليونسكو، وبفضل هذه المبادرة تمكن أكثر من خمسمائة ألف مواطن في نيكاراغوا من تعلّم القراءة والكتابة. وفي 2 شباط فبراير الجاري تم لقاء بين السفير البابوي في نيكاراغوا المطران سوميرتاغ والكاهن إرنستو كاردينال في منزل هذا الأخير في العاصمة ماناغوا ودام اللقاء قرابة نصف ساعة طلب خلاله كاردنيال من البابا أن يسمح له بمزاولة خدمته الكهنوتية.