أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


سوريا والتقسيم.. هل من وحدة دون مسيحيين؟ ماذا عن التاريخ واحتمال التجزئة؟

ميرنا داوود – موقع اليوم الثالث
شهدتْ سوريا في فترات سابقة وعبر تاريخها احتداماتٍ سياسية أمنية، في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات،

وكانت الحرب الأخيرة أشدها عنفاً ودموية. في كلِّ الأزمات السابقة لم تطرح فكرة تقسيم سوريا. ومع نهاية كلِّ مرحلةٍ من تلك النزاعات، كان المسيحيون السوريون يتجاوزون ما حصل، ويواصلون حياتَهم العامة في إطار وحدةِ سوريا الكيانية السياسية.
ما يحصل اليوم يشكِّل تهديداً على وجود المسيحيين وبقائهم في هذه الأرض اذا حصل التقسيم لا سمح الله.
إنَّ العوامل الداخلية ليست الوحيدة في التأثير على الدفع نحو تقسيم سوريا. ذلك أنَّ هناك عوامل خارجية إقليمية ودولية ذات تأثير كبير تدفع بهذا الإتجاه عبر سيناريوهات يتم تسريبها من هنا وهناك.
 سيناريوهات تقسيمية
وآخر ما رشح في هذا الموضوع، خطة أميركية لتقسيم سوريا نشرها معهد مقرب من وزارة الدفاع “البنتاغون”، وتقلب المعايير الجيوستراتيجية في الشمال السوري في حال تطبيقها. وتدفع في اتجاه قيام نظام لامركزي في سوريا مع وجود قوات قبعات زرق تحت راية الأمم المتحدة.
تقول الخطة إن المنطقة الغربية من البلد تبقى مع الدولة السورية، بينما تخضع المناطق الشرقية والواقعة بالقرب من الحدود العراقية لسيطرة قوات دولية لحفظ السلام، تقودها أميركا وحلفاؤها.

وبحسب الخطة الموضوعة لهذا التقسيم المسمى “خطة السلام”، فإن الهدف الأساس منه هو قطع التواصل بين إيران ولبنان، وبالتالي عزل “حزب الله” وإضعافه.

التقرير، الذي قدَّم أربع وجهات نظر لتقسيم سوريا إدارياً، أكد الحاجة إلى منطقتين فيدراليتين في الجزيرة وفي عفرين. كما قدَّم في المقترح الثالث حلاً يقضي بتوزيع التقسيم طائفياً وإثنياً بين “سنة وعلويين” وعرب وأكراد.

هل التقسيم ممكن؟

وبعيداً عن كل أحاديث التقسيم وسيناريوهاتها المحتملة، ثمة سؤال يطرحه السوريون مع كل تسريب جديد عن التقسيم: هل هناك إمكان لإقليم سوري ما أن يعيش لوحده كدولة؟
هناك من يقول إنَّ موقع سوريا في قلب الشرق الأوسط القديم والجديد يجعل من المستحيل تحقيق التقسيم فيها، ويستدل هؤلاء على ذلك بفشل محاولات تقسيمها إلى أربع دويلات صغيرة على يد الاحتلال الفرنسي سابقاً.
وفي المقابل، هناك من يتخوف من التقسيم، وخاصةً بوجود قوى خارجية جاهزة دائماً لاستغلال حالة الضعف والتمزق التي تعتري البلاد، محذرين من أنْ تذهب الحالة السورية إلى رسم خطوط خضراء وحمراء عميقة بين المكونات، قد تتحول لاحقا إلى أشكال إدارية وسياسية، لا تكون بعيدة عن التفكك والكيانات المستقلة بصيغة الأمر الواقع أو صيغ يفرضها المجتمع الدولي والإقليمي.
 في العموم إنَّ الأنظمة الفيدرالية ذات المساحة الجغرافية الضئيلة والمركز الرخو يعطي للمجموعات الدينية والإثنية والعرقية فيها المقومات الأساسية والمتينة التي يتم بناءً عليها تهيئة بذور دولة جديدة، وهذا بالتحديد ما يثير قلق السوريين من تلميحات الدول الغربية بتطبيق النموذج الفيدرالي كحل نهائي.
فتحويل سوريا من دولة بسيطة إلى مركبة هو في جوهره أساس أي حكومة فيدرالية في العالم، وذلك عبر تقسيمها إلى أقاليم على أساس ديني أو طائفي أو قومي بحت تحت مسمى حفظ حقوق الأقليات في ظل حكومة مركزية اتحادية.
لكن لنجاح أي عمل فيدرالي لا بد وأن يستلزم ذلك وجود حكومة مركزية قوية، وهذا ما تفتقره سوريا المهشمة اليوم في نموذجها الوطني.
فسوريا ﻫﻲ ﻓﺴﻴﻔﺴاء ﻣﻦ ﺍﻷﻗﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻳﺸﺔ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﻌﺔ ﺁﻻﻑ ﻋﺎﻡ، ﻭﺗﻌﺘﺒﺮ ﻭﺍحدة ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺎفظت ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ ﺭﻏﻢ ﺣﻤﻼﺕ ﺍﻟﻄﻤﺲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻌﺖ ﻟﻨﺸﺮﻫﺎ ﺍﻟﺪﻭﻝ المتصارعة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺍﺣﺘﻠﺘﻬﺎ ﻗﺮﻭﻧﺎً مديدة.
المشاريع التقسيمية الغربية
إن استعمال أدوات المفهوم الطائفي والعرقي في تقسيم سوريا وبلدان الشرق الأوسط عمومًا يعود تاريخيًّا إلى بدايات القرن العشرين، بالتحديد إلى مؤتمر كامبل- بنرمان المنعقد في لندن سنة 1905-1906 والذي اتفق فيه المجتمعون الأوربيون على أن الخطر الأول والحقيقي على مصالحهم يأتي من البلاد العربية ذات «الطبيعة الثقافية والدينية المتماسكة».
مع ارتفاع صوت الإسلام السياسي كبديل، تسارع المشروع الغربي لاستكمال مخططه التقسيمي والذي نلاحظه في سوريا عبر عدة معطيات أهمها:
تحطيم القدرات العسكرية للدول المشرقية.
تعميق وترسيخ فكرة البناء الطائفي لإنهاك الدولة بصراع طائفي طويل الأمد يسرّع في تفتيتها، ويمنع قيام جيش وطني قوي ومتماسك في المستقبل.
تقسيم الدولة إلى عدة أقاليم وفق حكم فيدرالي في ظل حكومة مركزية هزيلة تُفرض وتدار من الخارج.
ونحن كسوريين نعي جيداً ﺃﻥَّ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﺠﻴﺶ والبناء المتماسك ﻟﺴﻮﺭﻳﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻋﺮﺿﺔً ﻟﻠﺘفكك.
القوى الدولية وسعيها لتقسيم سوريا
إن اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺩﻭﻟﺔ ﻋﻠﻮﻳﺔ يبدو ﻣﺒﺎﻟﻐًﺎ ﺑﻪ، ﻓﻠﻮ ﺗﻢ ﺇﻋﻼن هكذا دولة ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ كونها “جيباً ﺩﻭلياً» ﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻘﻮﻣﺎﺕ ﺩﻭﻟﺔ، ﻷﻥ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻟﻢ ﺗﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﻜﺬﺍ ﻧﻤﻂ ﻣﻦ الكيانات ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺗﻼﺷﻴﻬﺎ ﻭﻣﻮﺗﻬﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ.
ﻟﻬﺬﺍ ﻭﻟﻠﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺠﻴﻮﺏ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍلضروري لمخططي اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﻣﺤﺎﻛﺎﺓ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺑﺎﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺮﻛﺒﺔ ﻭﺗﻘﺴﻴﻢ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺓ ﺃﻗﺎﻟﻴﻢ ﻟﻠﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﺑتدمير ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ.
ﻓﺎﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺗُﺮﺳَﻢ ﻣﻼﻣﺤﻬﺎ ﺑﻤﻬﺎﺭﺓ ﻭﺑبطء شديد ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟدﻭﻝ، ﻭﻛﻞ ﺩﻭﻟﺔ ﺗﺤﺎﻭﻝ ترتيب ﺍﻹﻗﻠﻴﻢ الذي يغذي ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ.

اﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ تساند الأكراد لتشكيل ﺇﻗﻠﻴﻤهم ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻝ ﺷﺮﻕ ﺍﻟﺒﻼﺩ. وتسعى روسيا في تصريحاتها الأخيرة حول تطبيق النموذج الفيدرالي في سوريا، إلى رسم وترتيب ﺇﻗﻠﻴﻢ ﺷﻴﻌﻲ ﻋﻠﻰ ﻃﻮﻝ ﺍﻟﺴﺎﺣﻞ ﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﻴﻦ، ﻭﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺗﻢ تكريس ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻗﻠﻴﻢ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ ﺩﻭﻟﻴﺔ أيضًا ﺗﺘﺰﻋﻤﻬﺎ ﺩﻭﻝ ﻣﺜﻞ ﺭﻭﺳﻴﺎ ﻭﺍﻟﺼﻴﻦ ﻭﺇﻳﺮﺍﻥ التي ستسعى ﺇﻟﻰ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬا ﻓﻲ المتوسط.

ﺃﻣﺎ ﺍﻹﻗﻠﻴﻢ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻲ الذي ﻟﻢ ﺗُﺮْﺳَﻢ حدوده ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﻓﺴﻴﻜﻮﻥ ﺗﺤﺖَ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻄﺮﻳﺔ، ﺇﺫْ إﻥَّ ﻗﻄﺮ ﻭﺗﺮﻛﻴﺎ ترعيان مقاتلي المعارضة المتطرفة في ﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ. أما الجنوب فهو الإقليم الأكثر هدوءاً والذي لا يحمِل تعقيدات في صياغته، وتتمتعُ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﺑﺘﺄﺛﻴﺮ ﻛﺒﻴﺮ فيه ﺑﺎﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻣﻊ ﺍﻷﺭﺩﻥ و(إسرائيل).
ﻭﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻣﻦ ﺗﻘﺎﺳﻢِ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻧﻔﻮﺫﻫﺎ ﺳﻴُﺼَﺎﺭ ﻻﺣﻘًﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﺘﺸﻜﻴﻞِ ﺣﻜﻮﻣﺔٍ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔٍ ﻫﺰﻳﻠﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﻻ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﺳﻮﻯ ﺍﺳﻤﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ.
مسيحيو سوريا متمسكون بوحدتها
في ظل سيناريو تقسيمي ما، أي حصة سوف تكون من نصيب المسيحيين لو ذهبت سوريا الى هذا الخيار السيء؟!
الحقيقة أنَّ المسيحيين السوريين يعون تماماً خطرَ التقسيم وما يجرّه عليهم من ويلات ولقد كانوا من أشد المعارضين له عبر التاريخ ، خاصةً وأنَّ عملية التقسيم سوف تكون على حساب الديموغرافيا السورية.
عبر التاريخ المعاصر، لعب المسيحيون دوراً كبيراً كمحرك ومدافع عن الوحدة السورية. ولذا فإن اندماج هذا المكون المشرقي القوي في مشروع وطني بديل عن كل استبداد وإقصاء وتمييز ديني وإثني، يمكن أن يحفز البعض للتحرك قبل فوات الأوان وإنقاذ الدولة السورية.

في القرن الماضي سقطت مخططات التقسيم من خلال وقفة رموز مكونات المجتمع السوري وخاصة المسيحيين في دمشق. هذا الدرس التاريخي مهم جداً في أي مشروع لإعادة توحيد البلاد.

 باحثة سورية مقيمة في الولايات المتحدة