أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


حوار صوفي بين العذراء ويسوع قبل تسليم الإبن عن دورها وشفاعتها.. (ماريا فالتورتا)

– ليس لي شيء على الأرض سوى أُمّ

***

147- (في جَمَلا) الجزء 6، القسم 2- السنة الثالثة من حياة المسيح العلنية: (08/07/1946)

…..أفراد المجموعتين (الرُّسُل والنسوة) بالكاد يستطيعون الاستيقاظ وقد أَخَذَ منهم التعب كلّ مأخذ. مريم مستيقظة ولكنّها غير قادرة على الحراك بسبب الصبيّ الصغير الذي ينام منكمشاً على صدرها، ورأسه الصغير تحت ذقنها. والأُمّ، عند رؤيتها يسوع يَظهَر عند مدخل المغارة، تبتسم له بعينيها الزرقاوين الفاتحتين، فيما يستحيل وجهها ورديّ اللّون فَرَحاً برؤيته. وتُحرّر نفسها مِن الطفل الذي يتذمّر قليلاً بسبب تحريكه، إنّها تَنهَض وتذهب نحو يسوع بمشيتها الهادئة المتماوجة بعض الشيء كالتي لحمامة خجولة.

«ليبارككَ الله لهذا اليوم يا بنيّ.»

«ليكن الله معكِ يا أُمّي. أكانت ليلة غير هانئة بالنسبة لكِ؟»

«لا. بل على العكس، لقد كانت هانئة جدّاً. لقد بدا لي أنّني كنتُ أحظى بكَ، صبيّاً صغيراً، بين ذراعيّ… وقد حلمتُ بأنّ نوعاً مِن نهر ذهبيّ كان يتدفّق مِن فمكَ، يَصدُر عنه نَغَم لا يمكن وصفه، وصوت كان يقول… آه! يا له مِن صوت: “ها هي الكلمة التي تُثري (تُغني) العالم وتمنح الغبطة لمن يُنصت إليها ويطيعها. وسوف تُخلِّص دونما حدود لقدرتها، في الزمان والمكان.” آه! يا بنيّ! وأنتَ يا وَلَدي هو تلك الكلمة! كيف العمل كي أعيش طويلاً وأفعل الكثير كي أتمكّن مِن أن أشكر الآب الأزليّ لأنّه جعلني أمّكَ؟»

«لا تقلقي بشأن ذلك يا أُمّي! فإنّ كلّ دقّة مِن دقّات قلبكِ تُسِرّ الله. أنتِ تسبيح حيّ لله، وستكونين دوماً كذلك يا أُمّي. لقد كنتِ تشكرينه مذ وُجدتِ..

«لا يبدو لي أنّني أفعل ذلك بشكل وافٍ يا يسوع. إنّه عظيم، عظيم جدّاً ما فَعَلَه الله لي! أمّا أنا، فما الذي أفعله أكثر ممّا تفعله كلّ تلك النسوة الصالحات، اللواتي هنّ تلميذاتكَ مثلي أنا؟ يا بنيّ، قل لأبينا أن يمنحني الفرصة كي أشكره بالشكل الذي يليق بعطيّته.»

«أمّاه! أو تعتقدين بأنّ الآب يحتاج إلى أن أطلب منه ذلك لأجلكِ؟ هو سبق أن أعدَّ لكِ التضحية التي سيكون عليكِ تقديمها لهذا التسبيح الكامل. وستكونين كاملة حينما تنجزينها…»

«يا يسوعي!… إنّني أُدرك ما تعنيه… إنّما هل سأكون قادرة على التفكير في تلك الساعة؟ يا لأمّكَ المسكينة…»

«العروسة المغبوطة للمحبّة الأزليّة! هي مَن تكونين أنتِ يا أمّي. والمحبّة سوف تفكّر فيكِ.»

«أنتَ تقول ذلك يا بنيّ، وأنا أطمئنّ لكلمتك. إنّما أنتَ… صلّي من أجلي، في تلك الساعة التي لا يفهمها أحد مِن هؤلاء… والتي هي وشيكة… ذلك صحيح، أليس كذلك؟»

مِن المستحيل وصف تعبير وجه مريم خلال هذا الحوار. ما مِن كاتِب يمكنه ترجمته إلى كلمات مِن دون أن يُفسده بانفعاليّة ركيكة أو صبغة غير دقيقة. فقط مَن لديه قلب، قلب طيّب، حتّى ولو كان قلباً رجوليّاً، يمكنه أن يَصِف بعقله التعبير الحقيقيّ المرسوم على وجه مريم في هذه اللحظة.

يَنظُر يسوع إليها… تعبير آخر غير قابل للترجمة إلى لغتنا الفقيرة. ويجيبها: «وأنتِ سوف تصلّين مِن أجلي في ساعة الموت… نعم. لا أحد مِن أولئك يفهم… إنّها ليست غلطتهم. الشيطان يُحدِث أدخنة كي لا يتمكّنوا مِن الرؤية، وبحيث يكونون كالسكارى الذين لا يَستَوعِبون، وبالتالي يكونون غير مستعدّين… وأسهل للإخضاع… إنّما أنتِ وأنا سوف نخلّصهم، رغم مكائد الشيطان. يا أُمّي، إنّني أعهد بهم إليكِ اعتباراً مِن هذه اللحظة. تذكّري كلماتي هذه: إنّني أعهد بهم إليكِ. أعطيكِ إرثي. ليس لي شيء على الأرض سوى أُمّ، وأنا أُقدّمها لله: أضحية مع الأضحية؛ وكنيستي، وهذه أعهد بها إليكِ. كوني حاضنتها.

منذ مدّة قصيرة كنتُ أتساءل في كَم مِن البشر، في المستقبل، سوف ينبعث رجل إسخريوط بكلّ نقائصه. وكنتُ أفكّر بأنّ أيّاً كان، إن لم يكن يسوع، سَوف يَرفُض هذا الكائن الخاطئ. إنّما أنا لن أرفضه. فأنا يسوع. أمّا أنتِ، وخلال الوقت الذي سوف تبقين فيه على الأرض، حيث ستكونين الثانية بعد بطرس بالنسبة للتراتبيّة الكنسيّة، هو رأس الكنيسة وأنتِ المؤمنة، إنّما الأولى كأُمّ للكنيسة حيث إنّكِ قد وَلَدتِني أنا، رأس هذا الجسد الروحانيّ، فلا ترفضي اليهوذات الكثيرين، إنّما ساعِدي وعلّمي بطرس، أخويّ، يوحنّا، يعقوب، سمعان، فيليبّس، برتلماوس، أندراوس، توما ومتّى ألّا يرفضوا، وإنّما أن يُساعِدوا. دافعي عنّي لدى أتباعي، ودافعي عنّي ضدّ أولئك الذين يريدون تشتيت وتفكيك الكنيسة الناشئة. وفي العصور اللاحقة كُوني دوماً يا أُمّي الشفيعة والحامية، المدافعة عن كنيستي والمعينة لها، لكهنتي، للمؤمنين بي، مِن الشرّ والعقاب، مِن أنفسهم… كَم مِن يهوذات، أيا أُمّي، في العصور اللاحقة! وكم سيكون هناك ذوو أنصاف عقول عاجزين عن الفهم، أو مثل العميان والصمّ الذين لا يستطيعون أن يروا أو أن يسمعوا، أو لا يستطيعون المجيء كالمشلولين والمقعدين… يا أُمّي، ليكونوا كلّهم تحت جناحكِ! أنتِ وحدكِ تستطيعين وسوف تكونين قادرة على تغيير قرارات إدانة الآب الأزليّ لنفس واحدة أو لعدد مِن النفوس. لأنّ الثالوث لن يكون قادراً على رفض أيّ شيء لزهرته

«سوف أفعل ذلك يا بنيّ. طالما أنّ الأمر يعتمد عليّ، يمكنكَ المضيّ في مسعاكَ بسلام. فإنّ أُمّكَ هنا لتدافع عنكَ في كنيستكَ، على الدوام.»

«ليبارككِ الله يا أُمّي… تعالي! سوف أجمع لكِ بعضاً مِن كؤوس الأزهار الممتلئة بالمياه المعطّرة، وسوف تُنعِشين بها وجهكِ، كما فعلتُ أنا. إنّ أبانا الكلّيّ القداسة قد أعدّها لنا، والطيور قد أرشدتني إليها. انظري كيف أنّ كلّ شيء مفيد في خلق الله المنظّم! تلك الهضبة العالية القريبة مِن البحيرة، إنّها خصبة جدّاً بسبب الضباب الذي يَصعَد مِن بحر الجليل، ومِن الأشجار العالية التي تجذب الندى، سامحة بهذه الوفرة مِن الأعشاب والزهور، حتّى في حرارة الصيف العالية. هذا التساقط الغزير للندى لملء هذه الكؤوس بحيث يتمكّن أبناؤه المحبوبون مِن غسل وجوههم… هذا ما أعدّه الآب لأولئك الذين يحبّونه. خذي. ماء الله، في كؤوس الله، لإنعاش حوّاء الفردوس الجديد.» ويقطف يسوع تلك الزهور العريضة، والتي لا أعرف اسمها، ويسكب في يدي مريم الماء المتجمّع فيها…

في تلك الأثناء كان الآخرون قد رتّبوا أنفسهم وأتوا بحثاً عن يسوع الذي ابتعد قليلاً عن مكان الاستراحة……

***

قصيدة الإنسان – الإله / ماريا فالتورتا بالفرنسية: (الإنجيل كما أوحي به إليّ) L’Évangile tel qu’il m’a été révélé
ترجمه إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح…

شكر خاص لِ فيكتور مصلح.. لقراءة كتب ماريا فاتورتا مجاناً اضغط (هنا)