أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


عذراً فخامة المقاوم.. نهجك غير مُجدٍ في هذا المرحلة

عامر ملاعب-

مع اقتراب الإنتخابات النيابية، وفي حمأة “المناخ الحار” الذي يسبق غالباً كل إستحقاق برلماني ، الذي كاد أن يتطور من “حملات دعائية” لشد عصب الناخبين، الى إنفلات الشارع، ثم الى صراعٍ مسلحٍ، كما حدث الأسبوع الفائت في بعض شوارع العاصمة والضواحي، فهذا المشهد يعيد الذاكرة باللبنانيين الى حقبة “خطوط التماس”، وهم على مسافة أيامٍ من حلول الذكرى الثانية عشر لتوقيع وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله في كنيسة مار مخايل- “الشياح”، هذه الوثيقة التي أسهمت في تعزيز العيش الواحد، والتصدي لمحاولات عزل أي مكونٍ لبناني، لاسيما إبان عدوان تموز 2006، مروراً بالحوادث الأمنية والتصعيد الساسي والتسعير المذهبي الذي سبق إتفاق الدوحة في العام 2008 الى يومنا هذا. ولكن مر القطوع بفضل حكمة الرئيس العماد ميشال عون والسيد حسن نصر الله، وتجاوب الرئيس نبيه بري، الذين أبدوا جميعاً كل الحرص على حماية السلام الأهلي، والتعالي عن الإساءات الشخصية في سبيل تحصين إستقرار البلد، وتوجيه البوصلة الى العدو الحقيقي الذي يتربص بلبنان، ويتهدده بالاعتداء على حقه في استثمار ثروته النفطية والغازية، بالإضافة الى بناء الجدار الأسمنتي العازل على أراضيه.

وتترافق هذه الإعتداءات والتهديدات، مع التصعيد في الحرب الأميركية على حزب الله، خصوصاً بعد الكلام الذي جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في مؤتمره الصحافي المشترك مع وزير الخارجية الأرجنتيني خورخي فوري مؤخراً، وقال فيه حرفياً: “بالنسبة إلى حزب الله، فقد تناولنا في مناقشاتنا جميع الأسباب التي تدعونا إلى العمل معاً على كيفية ملاحقة هذه المنظمات الإجرامية ــ العابرة للأوطان ــ التي تعمل بالاتجار بالمخدرات، والبشر، والتهريب، وغسل الأموال، لأننا نرى أنّها مرتبطة بمنظمات تمويل الإرهاب”.

في حمأة هذه الأجواء المشحونة، لا بد أن تستذكر صفحات مجيدة من تاريخ المقاومة والنهج المقاوم في هذا البلد، الذي خطها الرئيس العماد إميل لحود، منذ توليه قيادة الجيش، هذا القائد المقاوم الذي لم يخضع للإغراءات المالية والمعنوية، ولم يأبه يوماً لأي تهديدٍ، حتى الذي طال منصبه كقائدٍ للجيش، في العام 1993 ، عندما طلبت منه الإدارة السياسية آنذاك ضرب المقاومة في الجنوب بغطاء إقليمي ودولي، فآثر إختيار الذهاب الى منزله والتقاعد، على المواجهة مع المقاومة، واسقط بذلك مؤامرةً كادت أن تنهي مشروع المقاومة برمته، وتأخذ البلاد الى أتون فتنةٍ مذهبية تمزق نسيجه الاجتماعي.

أيضاً وأيضاً، عندما قصد وزير الخارجية الأميركية كولن باول لبنان وسوريا في أيار 2003، عقب الاحتلال الأميركي للعراق، مهدداً الدولة اللبنانية، بـ”الويل والثغور وعظائم الأمور”، إذا لم تتخلص سريعاً من المقاومة، عندها بادره الرئيس لحود بالسؤال: ” لماذا وضعتم صورة الرئيس جورج واشنطن على الدولار؟” فأجاب الدبلوماسي الأميركي: “لأنه حرر أميركا”، فقال الرئيس اللبناني” والمقاومة حررت لبنان أيضاً”.

كذلك لم يكترث فخامة المقاوم لتهديدات رئيسة الدبلوماسية الأميركية مادلين أولبرايت، التي حاولت دفع لبنان بالوعيد الى الاعتراف بالانسحاب “الإسرائيلي” من أرضيه، رغم إبقائه على احتلال مساحة 20 مليون متر مربع منها، وعندما علت تهديدات الوزيرة الأميركية للرئيس اللبناني، أغلق الهاتف في وجهها، من دون أي يقيم أي حساب لنتائج هذا التصرف، لأن الأمر يتعلق بسيادة لبنان.

وفي ادائه السياسي والمحلي، لم ينزلق الرئيس المقاوم يوماً الى الخطاب المذهبي، بل كسر كل الأعراف المذهبية خلال توليه إدارة دفة الحكم، وبدا ذلك جلياً من خلال إنتقاء المدراء العامين والقادة الأمنيين في عهده، فكان المعيار الأساسي، هو الكفاية، فعلى سبيل المثال: انتقلت المديرية العامة للأمن العام من عهدة المسيحيين الى الشيعة، عندما تم تعيين اللواء جميل السيد على رأسها. كذلك وافق على تعيين آلان بيفاني مديراً عاماً لوزارة المالية، وكان قبلها في عامٍ واحدٍ مرشح التيار الوطني الحر الى الإنتخابات البلدية في بيروت، وأثبتت هذه التعيينات بشهادة الخصم قبل الصديق، أن المدراء الذين تم إنتقائهم آنداك، هم من أصحاب الكفاية ومن أنجح الإداريين في الدولة حتى يومنا هذا.

والمؤسف أن هذا السجل المشرف، لايؤهل صاحبه الى الاستمرار في اللعبة السياسية الراهنة، خصوصاً خوض غمار الإنتخابات النيابية، التي يستخدم فيها سلاح المذهبية، والمال السياسي، والزبائنية، فهذا السلاح لا يتقن استعماله الرئيس المقاوم الاستراتيجي، الذي آمن بلبنان الدولة المدنية المقاوِمة المنفتحة على المحيط العربي.
ألا تستحق دارة آل لحود العروبية إلتفاتة نحوها من فريق المقاومة، ورد الجميل لهذا البيت العريق الذي كان بمثابة الحصن الحصين للمقاومة ونهجها؟ من خلال الحفاظ على استمراره في الحياة السياسية، ودخول أحد أفراده الندوة البرلمانية، بدعم الفريق المذكور، كما حدث سابقاً على نحو مماثل، عندما فرض هذا الفريق ابن البيت الوطني والعربي الكبير فيصل عمر كرامي وزيراً في الحكومة الميقاتية الثانية، أم أن النهج اللحودي الاستراتيجي واللاطائفي، لم يعد مجدياً ، ولا يؤهل صاحبه الدخول في السياسية اللبنانية الراهنة؟ على أمل أن ثبت الأيام المقبلة العكس.

-الثبات-