أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


بيت متواضع بقرية مجدلون البعلبكية نواة رهبنة “بيت مارون وخدّام أرزة لبنان”

– جلجلة الحياة النسكية 5 أيام  للصلاة ويومين للرسالة ( أوغيت سلامة – المسيرة )

***

إذا تسنّى لكم أن تمرّوا بقرية مجدلون البعلبكيّة ستلاحظون عجقة غريبة في باحة أحد بيوتها المتواضعة، ناس يتوافدون للصلاة والمشاركة في قداس يحتفل به ويخدمه 5 كهنة هم نواة رهبانية جديدة أطلقوا عليها تسمية رهبانية “بيت مارون وخدّام أرزة لبنان“.

ولو بقيتم بعد القداس ستجدون أنفسكم بين جمهور من المؤمنين ينتظر دوره ليأخذ زوادته من أحد الكهنة الخمسة الذين يتوزعون في باحة البيت يسمعون، يُعرِّفون، يُصلّون، يُعلّمون ويُعطون يسوع لكل مشتاق ليُسكنه في قلبه.

في ذاك البيت وتلك الباحة تظاهرة إيمانية من نوع اشتاقت إليه كنيستنا، شباب وصبايا، أولاد وكبار في السن كلهم عطاش للكلمة الذي تجسّد وحلّ بيننا، كل يحمل صليبه ويبحث عن قيرواني يسنده على طريق الخلاص.

“المسيرة” كانت هناك وهذا ما شهدت عليه وسجّلته من شهادات أصدقاء رهبان بيت مارون وخدّام أرزة لبنان.

منذ نحو ثلاثة أشهر ولد مشروع جديد ليسوع، مشروع رهبنة سمّاها الكهنة الخمسة الذين يعملون على كتابة قانون تأسيسها «رهبنة بيت مارون وخدام أرزة لبنان». وتحت رعاية سيادة المطران حنا رحمه راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر إتخذت لها بيتًا ومركزًا أول في قرية مجدلون البعلبكية.

الرهبان الخمسة هم

  • الأب جان أيوب،
  • والأب طانيوس الغصين،
  • والأب مارون ساسين،
  • الأب الياس مارون غاريوس
  • والأب بيار مطر،

خرجوا من رحم الرهبانية اللبنانية المارونية، وكأن التاريخ يعيد نفسه عندما خرجت الرهبانية المارونية المريمية من الرهبانية اللبنانية المارونية عام 1770 وصدر الأمر من الكرسي الرسولي بقسم الرهبانية الى اثنتين: الرهبانية الحلبية والرهبانية البلدية، وكانت بداية طريق لتقديس مئات من الرهبان والكهنة في خدمة الكنيسة المارونية في لبنان والانتشار حول العالم.

الأب الروحي لرهبانية «بيت مارون وخدّام أرزة لبنان» هو الأب الياس مارون غاريوس. والخادم الأول بينهم هو الأب بيار مطر. لا رئاسة عامة ولا مرؤوسين في رهبنتهم بل خادم أول وإخوة يعيشون لتنفيذ مشروع يسوع.

أحد المقربين من الرهبان يشرح لنا بعد قداس الأحد وبين عجقة المؤمنين المنتظرين لإلقاء التحيّة أو طلب الإرشاد أو بركة يسوع يقول «كثيرون يمكن أن يتولوا مسؤولية إدارة أي رهبانية وماليتها ومقدّراتها لكن قليلين من بينهم يمكن أن يكونوا أبًا روحيًا بكل ما للكلمة من معنى كالأب الياس مارون!

هؤلاء الكهنة الخمسة باتوا يشكّلون ظاهرة عندنا في منطقة بعلبك وبالتحديد في بلدة مجدلون البعلبكيّة. الكل هنا يحترمهم، ويجلّهم المسيحيون والمسلمون من سكان القرية والجوار.

ينتظرون أن تنتهي الإجراءات الخاصة بتأسيس رهبنتهم الجديدة، ويتولى الملف سيادة المطران حنا رحمه راعي أبرشية بعلبك. نحن نؤمن أن الله ألهمه كما البطريرك إسطفان الدويهي عندما تأسست على يده الرهبانية المارونية اللبنانيّة في دير “مارت مورا” في إهدن».

المشهد العام في ساحة الدير الجديد، ورشة الكنيسة الحجر والخيمة البلاستيكية أمامها للإحتفال بالقداس فيها موقتًا لا سيما مع تدفّق المؤمنين من كل لبنان حتى في عزّ البرد والشتاء، تثير الكثير من الأسئلة وتوحي أن بناء هذه الرهبانية يبدأ من الصفر. وكل من عاشوا مع الكهنة الخمسة تجربتهم يعلمون أن الرب دعاهم الى رسالة لم يكن بامكانهم تأديتها بالوضع الذي كانوا فيه. فانتقلوا الى حيث يمكنهم أن يلبّوا نداء يسوع المسيح ويبدأوا في تحقيق مشروعه ورغبته.

سلّموا أنفسهم لمشيئة الرب، وانتقلوا الى تأسيس رهبانية على مثال مار مارون وتلامذته، ويعملون اليوم على نص قانون رهباني يتوافق مع المشروع الرهباني الذي ارتضوا أن يعيشوه. لذا قرّروا أن يطلقوا على رهبانيتهم إسم “بيت مارون وخدام أرزة لبنان”. أرزة لبنان لأنها رمز للعذراء مريم، ولأن لبنان وأرزه يعنيان لهم الكثير، لبنان بلد الله كما ورد في العهد القديم عندما قال الله للنبي موسى « لبنان وقف لي». والأرزة لأن هيكل أورشليم، يعني بيت الرب، بُني من أرز لبنان. إختاروا أن يكونوا خدامًا لبنيان بيت الرب من أرز لبنان. هذا الشوق الذي كان يختلج في قلوبهم حالت دونه ظروف كثيرة لكن لا أحد يعرف متى توقيت الرب.

 

ألم يكن بإمكانهم أن يجدّدوا ويتجدّدوا في رهبانيتهم الأساسية؟ سؤال يتبادر لكل من يسمع، خصوصًا وأن قديسين خرجوا من الرهبانية اللبنانيّة المارونية مثل مار شربل والحرديني، هذه الرهبانية التي تملك طاقات هائلة يمكن أن تخدم الفقراء والمحتاجين لوجه الرب، ربما أكثر من رهبنة يافعة تفتقر للمقومات المادية الأساسية؟

يأتي الجواب واضحًا من أحد المنتظرين معنا لإلقاء التحية على الرهبان ومن الذين يترددون أسبوعيًا للصلاة معهم «أهم الطاقات التي تغني عن ثروات الكون برأي كهنة بيت مارون هي يسوع، واذا كان يسوع معهم فهم يملكون طاقات الدنيا، أليس هو الغنى بذاته؟ ومن معه يسوع لا يحتاج أحدًا لا أمور مادية ولا روحية.

هدفهم أن يصل يسوع الى الناس بالطريقة التي يؤمنون بها وعلى مثال مارون وتلاميذه. لا هم هواة جمهور يصفّق لهم ولا يبنون أديارًا ولا مملكة إلا مملكة في قلوب الناس.

هدفهم أن يوصلوا يسوع للناس لا أكثر ولا أقل، ويرددون دائمًا «إذا لم أمتلىء من يسوع لا يمكن أن أعطيه للناس». الرهبان الخمسة قدموا أوراقهم للخروج من الرهبنة قبل أشهر، وجاء الرد بالتفسيح عن نذورهم فيها في غضون شهر تقريبًا. وهذا ما فاجأ الجميع من الرئيس العام للرهبنة الى المطران، لأن هكذا ملف قد يستغرق سنوات أحيانًا، وهذا ما خدم رسالتهم وخدم مشروع الرب فيهم. حتى أنهم كانوا غير حاضرين لوجستيًا للاستقرار في بيت او دير لهم، حتى أنهم يفتقدون لكنيسة يصلّون فيها.

يسوع ولد في مغارة ولم يكن لديه مكانًا يستقر فيه كل حياته، لهذا يشكرونه على مشاركتهم له حتى في هذه النعمة، ويشكرونه على كل ما مرّوا به لأنه يمنحهم سلامًا يتسلحون به والناس من حولهم يقطفون ثماره.

نمت دعوتهم في قلب رهبنتهم، لكن أرادوا أن يعيشوا بما يتلاءم مع مشروع الرب فيهم وصوت الله فيهم. والأهم أنهم لا يبنون بيتهم على خربة إخوة لهم، ولا يدّعون القداسة لأن الآخر خاطئ، لهذا يحملون رهبنتهم اللبنانية في قدّاسهم كل يوم.

جديدهم الذي أرادوا أن يعيشوه في بيت مارون هو العودة الى الجذور وعيش الحياة النسكية بكمالها، والصلاة والرسالة بكمالهما. ويفترض أن تكون خدمة الكاهن والراهب في الرسالة محصورة بالكلمة. هذا لا يعني ان المدرسة والمستشفى والجامعة مشاريع سيئة، لكنها لا تتوافق مع مشروع يسوع فيهم.

معظم الرهبنات غارقة اليوم بالمشاريع والمؤسسات الضخمة وبعضها حتى غارق بمشاكل مادية حتى وديون فكيف يمكن أن يتجنّب كهنة هذه الرهبنة الجديدة هذا المطّب؟

جاء الرد على هذا التساؤل أنهم ببساطة إختاروا الجلجلة في الحياة النسكية وقسموا أيامهم 4 أو 5 أيام في الأسبوع مخصصّة للصلاة والنسك ويومين للرسالة.

همّهم الأول ألا ينشغل الراهب إلا بالرب. يردّدون هنا مثل بطرس عندما قال ليسوع «علينا ان ندفع الجزية ولا مال لدينا»، فرد عليه يسوع «إلقي بصنارتك في الماء» وكان لهم من السمك ما يحتاجون. وهكذا هم اليوم لا مال لديهم ولا مقدرات وكما بطرس القوا صنارتهم منذ نحو شهرين او أكثر وينتظرون الصيد بكلمة الله.

في مشروعهم ليس من المفروض أن يكون للراهب همّ أن يعمل عمل الناس، بل عليه أن يعمل بكل قلبه وعقله للرب يسوع. قديمًا كان الراهب يعمل ويترك 10 في المئة من انتاجه له والباقي يهبه للفقراء. كان يأخذ حاجته فقط. في الوقت الذي يقال أن على المؤمن ان يهب العِشر للفقير.

بعرق جبينه سيأكل الراهب في بيت مارون خبزه لكن لن تكون الأمور المادية من إهتماماته. كل الأمور المحصورة في الرسالة يجب أن تكون في خدمة الكلمة. والمطلوب من كل راهب بينهم ان يجتاح رعيته بكلمة الله فقط. وعندما تكون الشؤون المادية بيد علمانيين يكون ذلك كفيلاً بحماية الراهب ورسالته. ألم يقل يسوع لا تعبدوا ربين الله والمال؟ لذا يحاولون حماية الراهب من الحسابات، وبكتابة قانونهم الرهباني يتوقعون الهامًا من الرب يحمون فيه رهبنتهم من الهموم المادية.

روحانيتهم تتمحور حول ثلاث نقاط أو مهام،

  • النسك
  • والبشارة
  • والصلاة من أجل وحدة الكنيسة، اي عيش حياة مار مارون وتلامذته، وهذه هي هوية هذه الرهبنة ورسالتها.

رسالتهم تتركز خصوصًا على الشبيبة، ويؤمنون ان وجه الكنيسة المجروح والكنائس الفارغة من الشباب لن يداويها الا تكريس الكهنة للشبيبة، فهؤلاء هم مستقبل الكنيسة، والذين يؤسسون لعائلات مقدسة تشبه فعلاً العائلة المسيحية القديمة.

لماذا إختاروا مجدلون إنطلاقة لرسالتهم؟ يجيب أحد الحاضرين ضمن الحلقة ومن أبناء مجدلون الذين شهدوا على تحوّل بيتعادي في قريته الى نواة دير وصار صالونه مذبحًا مؤقتًاوبيتًا للرقبان ومطبخه تحول الى قاعة للاجتماعات والمنامة، يقول «حضور المسيحيين في العالم العربي بالنسبة لهؤلاء الرهبان أولى الرسالات، فاذا كان هذا البلد الصغير قد صمد أمام كل الحروب وبقي المسيحيون في أرضهم فهذا يعني أن بقاءه في هذا الشرق مشيئة إلهية! واذا كان لبنان وطن الله فهل يجوز ان نتركه نحن لأن المسيحي مضطهد في هذا العالم؟

لذا كما الجيش الذي يقف على الحدود اللبنانية ويحميها، إختاروا هم منطقة حدودية نائية نحتاج فيها نحن المسيحيون لمن يقف الى جانبنا ولا ينظّر علينا! والأهمّ أنهم محبوبون عندنا ومحترمون من المسلمين إخوتنا كما المسيحيين! إختاروا أن يشهدوا للمسيح حتى الشهادة”.

الشهادة لن تكون بعيدة منهم فالأب الياس مارون غاريوس الأب الروحي لمشروعهم الرهباني اعتبر في مرحلة من مراحل خدمته في رعية بعلبك حالة استفزازية في المنطقة. هكذا يقول البعض ممن تابعوا مسيرة غاريوس، أما أصدقاء الكهنة فيردون على هذه الأقاويل التي تتردّد أمامهم دائمًا ومن خلال ما سمعوه من عظات أبونا مارون «يسوع قال لتلامذته اذهبوا بشّروا تلمِذوا وعمِّدوا كل الأمم. همّ الكاهن او الراهب ان يعيش كلمة يسوع، وإذا عدنا الى أعمال الرسل نقرأ أن مار بطرس كان متوجهًا مع يوحنا الى الهيكل وكان هناك كسيح من ولادته حاول أن يشحذ المال من مار بطرس فقال له « لا فضة ولا ذهب معي لاعطيك. ساعطيك ما عندي « باسم يسوع الناصري قم وامشِ». على أثر ذلك أوقفهم الكهنة وجلدوهم وحذّروهم من البشارة باسم يسوع مرة أخرى، فرد بطرس « الله أولى بالطاعة من البشر». إذن الله أولى بالطاعة من كل القائلين بان رسالة ابونا الياس استفزازية وهي واجب كل مسيحي معمّد ان يبشّر «وويل لي إن لم أبشر» وهذا قول لمار بولس. اليوم يساوم البعض على كلمة يسوع كرمى لبعض البشر وأفكارهم! وربما لذلك يفسّر إجتهاد وإصرار الأب الياس مارون إستفزازًا”.

الحاضرون في تلك الساحة ممتلئون من كلام يسوع وتعاليم الرسل، يحفظون عظات الكهنة الخمسة في قداس الأحد في مجدلون ويحملونها زادًا لأيام الأسبوع كل في بيئته وعالمه وعمله وعائلته.

وفي الحقيقة إن من يسمع عظات أبونا الياس يدرك أن هذا الرجل نذر نفسه ليبشِّر بجمال المسيح ومحبة المسيح، ومن يراقب نشاطه الرعوي يكتشف أنه يعطي الفقير مهما كان دينه ومهما كانت حاجته. لذا رأوا فيه يسوع من دون أن يخبرهم عنه، لذا يركضون الى الدير يسألونه «أخبرنا عن يسوع”!

صوت الأعمال اقوى من ضجيج الكلام. لذا وفي خلال زيّاحات درب الصليب وجمعة الآلام يرُّش المسلمون الأرُّز والورد على المسيرة. وهم يرّدون على تحية الراهب «المجد لله”» بـ«دايما لله». يدخلون الى البيت ليأخذوا يسوع فهل يقول لهم أبونا الياس «ما بعطيكن يسوع؟!!».

الكنيسة المارونية هي كنيسة كل الشعب، وكانت دائمًا اسمها بيت مارون. كل الدلالات في مجدلون والجوار أن هذا البيت سيكون خميرة لبيوت كثيرة لمارون وخدّام أرزة لبنان على كل أراضيه المقدّسة.

لم يأخذوا معهم لا أديار ولا ممتلكات، أخذوا المسيح فقط. والناس من حولهم جزء من علامة حضور الله فيهم ومعهم.

هذا هو المشهد في حيّ من أحياء قرية مجدلون، وهذا هو لسان حال الأصدقاء الأمناء للكهنة ومشروعهم فكل من هم فوق ممتلئون من يسوع، يسوع وحده، وكل الباقي تفاصيل.