أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


قراءة عن الكيمياء المفقودة بين الرئيس عون والتيار مع بقية الأحزاب السياسية

“العلاقة المستحيلة” (حبيب البستاني)

***

في الزمن السوري كان التواصل والتقارب والتفاهم بين اللبنانيين ممنوعاً، وكان الممر الإلزامي لنسج هذه التفاهمات هي عنجر، وناهيك ما كانت تمثله عنجر في الحياة السياسية اللبنانية، حتى أن بعض الذين عايشوا هذه الفترة وكانوا على تنسيق مع عنجر كي لا نستعمل وصفاً آخر، قد اعتادوا على ممارسة لعبة الابتعاد عن شركائهم في الوطن، وهم لا يألون جهداً في ممارسة ذلك في السر وفي العلن، وهم لا يتركون مناسبة تمر إلا واستغلوها للتباعد وليس للتقارب، وذلك بالرغم من الشعارات الكبيرة والمواقف الوطنية التي تتخذ في المفاصل الكبرى من حياة الوطن. ومن هنا فالتيار الوطني الحر الذي لم يكن في يوم من الأيام جزئاً من المنظومة السياسية إن لم نقل المخابراتية لعنجر، تراه بالنسبة للبعض يغرّد خارج السرب ويأكل من خارج الصحن، فهو يبحث عن التفاهمات بعيدا عن منطق الربح والخسارة، ومدافعاً عن منطق الدولة، فهو إبن الدولة وقد نشأ من رحم المؤسسة الكبرى التي وضعت نصب أعينها الدفاع عن لبنان الوطن والدولة والمؤسسات. ربما يتحدث البعض عن كيمياء مفقودة بين التيار وبقية الأحزاب السياسية أو بين سيد العهد وبين بقية الشركاء في الوطن، فأين تكمن الحقيقة، وهل القصة قصة كيمياء أم أن هنالك وراء الأكمة ما وراءها؟

بعبدا وعين التينة والسراي
في كل مرة يقوم سيد العهد بممارسة صلاحياته، تقوم الدنيا ولا تقعد، وهذه الصلاحيات على قلتها إلا أنها السبيل الوحيد لممارسة فخامة رئيس الجمهورية حقوقه لا بل واجباته للحفاظ على الدستور وعلى الوطن، ورفع الغبن عن المواطنين كل المواطنين، وهذا ما أقسم عليه الرئيس غداة تسلمه سلطاته الدستورية.

وتأتي ممارسة الرئيس لهذه الصلاحيات في إطار المبدأ الديمقراطي العام والذي يقوم على فصل السلطات، وهذا لا يعني أبداً التفرد أو الإستثناء أو الفرض، وبالتالي فإذا كانت السلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء فإن الدستور أعطى للرئيس جزءاً من هذه الصلاحية لا سيما من خلال المراسيم التي تصدر عن الرئيس ومزيلة بتوقيع رئيس الحكومة والوزير المختص، وهذه الثنائية في السلطة الإجرائية ليست سياسية إنما تطبيقا لدستور الطائف، وبالتالي فهي ليست موجهة ضد أحد وليست حلفا قائما بحد ذاته، وهي بالتأكيد ليست موجهة ضد رئيس المجلس النيابي لا في الشكل ولا في المضمون، فما الذي حصل وما تفسير ردة الفعل على المرسوم الأخير ألذي وقعه الرئيس والمتعلق بإنصاف الضباط من دورة العام ١٩٩٤؟

إنها المرة الأولى لا سيما بعد الطائف التي يتبوأ فيها رئيساً قوياً منصب الرئاسة، وبالتالي فإن ممارسة الحكم بحسب الأعراف القديمة قد سقطت إلى غير رجعة، وبالتالي لا وجود لترويكا ولا لدويكا في ممارسة الحكم في لبنان، بل هنالك أسس قانونية ودستورية ينبغي احترامها وتطبيقها تطبيقاً حرفياً، وذلك كي تستقيم الحياة السياسية ونعبر بلبنان من دولة المزرعة إلى دولة القانون والمؤسسات، وإن كل الممارسات السابقة لا تمت إلى الدستور بصلة وهي كانت تمارس بصورة إستنسابية الهدف منها قضم ما تبقى من صلاحيات لرئاسة الجمهورية.

مبدأ فصل السلطات وسلطة القانون
إن ممارسة فصل السلطات يعد من المبادىء الأساسية لممارسة الديمقراطية، وذلك بغض النظر عن شكل الحكومة أو طريقة تشكيلها، أكانت إئتلافية أو وفاقية تتمثل فبها كل الأطراف السياسية أو معظمها التي تتواجد في المجلس النيابي، وعند حصول أي خلل بالممارسة وحده القانون هو الفيصل، وبالتالي فإن مبادرة فخامة رئيس الجمهورية لوضع نفسه تحت سقف القانون هو عمل يدلل على مدى تعلق فخامته بالمؤسسات، وإنه بات من الأجدى أن يحذو الجميع حذو الرئيس، ولكن السؤال المشروع، هل إن جو الإنتخابات النيابية قد طغى على كل الحياة السياسية، وإن الموضوع ليس قضية مرسوم من هنا أو تعديل من هناك، وهل كل ذلك يدخل من ضمن عدة الشغل لرسم التحالفات وكسب العدد الأكبر من المقاعد؟

أملنا أن يتم الفصل بين التنافس الإنتخابي المشروع وبين تسيير شؤون المواطنين، فالناس كل الناس بقدر ما هي متعلقة بممارسة حقها الديمقراطي بالإقتراع، بقدر ما هي متعلقة بتأمين قوتها اليومي، وكما قال أليندي لا تخيروا الناس بين الحرية وبين كيلوغرام البطاطا.

كاتب سياسي