أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


الخوري أنطوان القزي: وتبقى القدس وحدها “القضيّة”..

المطران خضر: يسوع أهمّ شيء.. أنا بحاجة الى أطفال فلسطين.. الى قدمي يسوع..

***

 في كلّ مرّة أنظر أطفال فلسطين الحبيبة يثورون بالحجارة، أعود إلى كتاب صموئيل الأوّل الفصل السابع عشر، فأجد ما يبعث فيّ الرجاء. فيه أنّ رجال إسرائيل «اصطفّوا لمحاربة الفلسطينيّين، ووقف الفلسطينيّون على جبل من هنا ووقف إسرائيل على جبل من هناك وبينهم الوادي. فخرج رجل مبارز من عسكر الفلسطينيّين اسمه “جليات”… فوقف ونادى صفوف إسرائيل وقال: «لماذا تخرجون للاصطفاف في الحرب… اختاروا رجلاً ينازلني. فسمع شاول وجميع إسرائيل كلام الفلسطينيّ هذا فارتاعوا وخافوا جدًّا». تصدّى له داود الفتى الصغير ورفض داود حمل الدّرع والسيف، ولكنّه أخذ عصاه وانتقى خمسة حجارة ملس من الوادي ووضعها في الجراب ومقلاعه بيده وأخذ داود حجرًا من الجراب وقذف بالمقلاع… «وانتصر داود على الفلسطينيّ بالمقلاع والحجر» (١صموئيل ١٧: ١-٥٠).

تكابُر الغاصب المحتلّ، جعله يتوهّم أنّه “جليات” فحللّ لنفسه التنكيل والقتل واغتصاب القدس… فيا ليته تعلّم من تاريخه وتوراته… لكان رأى بهؤلاء الأطفال الثوّار، داودًا صغيرًا يجابهه بالمقلاع والحجارة وسينتصر حتمًا، لأنّ الحقّ هو المنتصر الدّائم، ولأنّ القدس-أورشليم أرضًا لا تعرف الأحادية ولا التقوقع، فمنها بزغ فجر القيامة وصار الخلاص للبشريّة، فتكسّرت أبواب جحيم “الشعب المختار”، أورشليم باقية قبلةَ المسيحيين والمسلمين واليهود إن هم أرادوا طبعًا- شرط التخلّي عن صهيونيّتهم التي لا تعرف الشراكة ولا تؤمن بالتعدديّة.

لن أدخل وطيس الجدل التاريخيّ حول أحقيّة الأرض، فالقدس لم تعد مساحة جغرافيّة بل هي قضيّة وأرض شهادة… عارٌ على جبين كلّ مسيحيّ يتنصّل من قضيّة لا بل من “القضيّة”، مخجلٌ تنصّلهم من مشهد الظلم والمذلّة، هؤلاء سيسمعون ما سمعه قايين من فم الله بعدما قتل أخاه: “صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك…” (تك ٤: ١٠-١١).

كفانا تلهيًّا وتفتتًا وانقساماً، فالأرض أرضنا، والقضيّة نحن صنّاعها، والمشرقيّة فجر مسيحيّتنا، والعروبة ثقافتنا وحضارتنا… لن نبكي كالأطفال على كلّ هذا التراكم التاريخي، لن نهرب إلى الأمام بالقول أنّ “أورشليمنا” ليست من هذا العالم بل هي في السماوات العليا… دون شكّ هي ما نصبو إليه وما نرجوه، لكنّ أورشليم الهَهُنا، نعيش فيها الشراكة والحبّ مع إخوتنا، ودونها لن نذوق “الهَهُناك”، من دونها لن نرى “أقدام يسوع” وفي أطفالها نشهد على المسيح من جديد شهيدا… وقد سحرني ما نطق به مفكّر مشرقيّ عربيّ من بلادي المطران جورج خضر، قال “لماذا تُباد فلسطين أمام أعين كلّ الشعوب؟ لماذا قُتل يسوع الذي كان من الناصرة؟ ماذا يبقى من العالم إن ذهبت فلسطين؟ إن هي ذهبت فهذا قتلٌ آخر ليسوع الناصري. ويسوع أهمّ شيء في العالم. إن ذهبت فلسطين أين أقبّل قدمي يسوع؟ أنا في حاجة الى أطفال فلسطين، أنا في حاجة الى قدمي يسوع“.

«من يشفق عليك يا أورشليم ومن يرثي لك ومن يميل ليسأل عن سلامتك. إنّك رفضتني فمددت يدي عليك وأتلفتك» (١٥: ٥-٦)، كلام توبيخ أُشهره بوجه الغاصب المحتلّ، أُشهره بوجه من يستبيح دماء النساء والأطفال في المكان الذي استشهد فيه السيّد وأهرق دمه فداءً عنهم….

أمّا أنتم يا أيّها الملوك والرؤساء المتصهينون، ستُداس بالنّعال رقابكم كما أمر يشوع، أمّا وقد اعتادت رقابكم النّعال وعَشِقَت الركوع رُكَبكم على عتبات أرباب المال يا بائعي القدس بثلاثين من الفضّة… لن يبقى غير سيف كلمة الله على لسان نبيّه، فاسمعوا يا من يخفون رؤوسهم في رمال البوادي المتصحّرة، إسمعوا إنذار أشعيا وتوبيخه علّ رقابكم الغليظة تلين فتخلصون: «ويل للقائلين للشرّ خيرًا وللخير شرًّا، الجاعلين الظلمة نورًا والنور ظلمة» (أشعياء ٥: ٢٠).

إخوتي، مسيحيين كنتم مسلمون أَم يهود،
في القدس أبنية حجارتها اقتباسات من الإنجيل والقرآن، هلمّوا يا أبناء إبراهيم هاتوا توراتكم ضعوه بين حجارتنا لنعيد السلام إلى مدينة السلام… وإلاّ لن نيأس من مقاومة احتلالكم بالكلمة والبندقيّة فإمّا تنتصر القضية وإمّا الاستشهاد، فنحن لا نخافه، نحن قررّنا أن نموت لأجل قدسِنا علّنا نستأهل العبور إلى قدسٍ أبديّة لا يمكنكم تدنيسها بزناكم وكفركم…
فنحن مثلكم من التراب وإلى التراب… ولكننّا تميّزنا عنكم بالشرف والكرامة… إنّها القدس، مدينتنا، أولى قبلتنا، رمز عزّنا حين كان لنا عزٌّ، وحين كنّا وما كنّا…

(الخوري أنطوان القزي)