أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


ميشال عون، أحيا قُدَّاس القُدس بين المسلمين

– عون لم يذهب ليطرح نظريات غير قابلة للتطبيق (أمين أبوراشد)

***

سواء كنا مسيحيين أو مسلمين، لا يُمكن أن نتناول القُدس من المنظور الجيو- سياسي للصراعات، وهي أسمى من أن تكون مادة على الخرائط الدنيوية، كي يُحدد قرار دونالد ترامب أو سواه هويتها، في سابقةٍ تُناقض التاريخ وتُعادي المعتقدات الإيمانية لشعوبٍ قِبلتها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ولعلّ ردود الفعل الدولية الشاجبة للقرار الأميركي، رسمت الحدود للسياسات المُتهوِّرة، ونزَّهَت قُدسية القُدس عن لُعبة الشطرنج التي تُجِيدها أميركا وتخرج منها خاسرة منذ اعتبرت نفسها بمقام الملك على الرقعة الدولية، وتتلقى الصفعات منذ مستنقع فيتنام حتى أيامنا هذه.

ولأن القُدس أكبر من الدول والأنظمة السياسية، لم يتوجَّه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في أخر إطلالة له خلال تظاهرة التضامن مع القدس، الى مُحاكاة الدول والأنظمة، بل خاطب الإنسان الساكن في قلب كل مقاومة مؤمنة بالقيَم الإنسانية وبقداسة القُدس، ودعا الى وحدة حركات هذه المقاومة، وقال سماحته: “موقفنا، والتزامنا وإلى الأبد نحن في لبنان، بلد المقاومة، شعب المقاومة، بلد التضحيات، بلد الشهداء، بلد الكبار والعظماء وبلد الانتصارات، كنا مع فلسطين من قبل 1948، كان أجدادنا وآباؤنا، وبقينا مع فلسطين وسنبقى مع فلسطين حتى يصلي المسلمون في المسجد الأقصى والمسيحيون في كنيسة القيامة”.

وجاء الحضور الهزيل على مستوى القادة في القِمَّة الإسلامية باسطمبول للتضامن مع القدس، 14 زعيم دولة من أصل 57، ليؤكد صوابية رأي السيد نصرالله بالأنظمة السياسية العربية والإسلامية القاصرة، ليس فقط عن مُقاربة القضايا المصيرية بما فيها المُقدسات، بل في تجاهل نبض الشعوب وطعنها بأسمى مشاعرها الدينية والإنسانية التي انطلقت من القدس منبع الديانات.

والحضور اللبناني في القِمَّة الإسلامية، جاء على مستوى لبنان، بصرف النظر عن هزالة تمثيل بعض الدول، وهزالة مواقف بعضها الآخر، لأن فخامة ميشال عون لم يذهب ليطرح نظريات غير قابلة للتطبيق في معركة المواجهة من أجل القدس، سيما وأن الرجُل يحمل معه من وطن المقاومة والسيادة والكرامة زاداً، يُطعِم منه كل من هو بحاجة لخُبز الكرامة الذي عجنته تضحيات رجالٍ من لبنان، تماماً كما عجنت أجساد الصهاينة بفولاذ دباباتهم، والإرهابيين التكفيريين على صخور الجرود اللبنانية.

وبالروحية اللبنانية التي رآها السيد نصرالله، وتنويهه في كلمته بالموقف اللبناني الجامع من قرار ترامب المُدان والمُستنكر من قبل جميع اللبنانيين قاطبة، وبالمواقف التي أُعلِنت من رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، والكتل النيابية ومختلف القوى السياسية والمكوّنات الشعبية في لبنان، وصولاً إلى الخطاب المميَّز لوزير الخارجية اللبناني، أعلن سماحته “تجديد العهد والميثاق أن نبقى في لبنان مع فلسطين وشعبها، ومع القدس وأهلها، ومع المقدسات الإسلامية والمسيحية مهما كانت التضحيات، سيما وأن هذا العدوان الأميركي الترامبي على مقدسات المسلمين والمسيحيين في القدس، تزامن بين ذكريين غاليتين (المولد النبوي الشريف وميلاد السيد المسيح) ونشهد اليوم انتفاضة حقيقية في الروح وفي الفكر، في الموقف، في الإرادة، في الميدان، في الشارع، فيها مسلمون ومسيحيون يتضامنون بقوة للدفاع عن مقدساتهم”.

بنفس الروحية، أحيا فخامة ميشال عون قُدَّاسه الإنساني بين المسلمين في القِمَّة الإسلامية، وتحدَّث عن التطهير العرقي الذي يُمارسه الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وأن إسرائيل اليوم تتصرف عكس مسار التاريخ، وتتحدّى التطور الإنساني والمجتمعي، وأعلن أن الفكر الآحادي يسقط في كل العالم، سياسياً كان أو عرقياً أو دينياً، لأن المجتمعات تسير نحو التعددية، وإعلان إسرائيل نفسها دولة يهودية، تحاول تأكيده بتهويد القدس وجعلها عاصمتها، وفي ذلك شطبٌ للهوية الجامعة للأرض المقدسة، وإلغاء صريح لرسالتين سماويتين يؤمن بهما أكثر من نصف سكان العالم.

وإذا كان السيد نصرالله في خطبته، قد وضع حركات المقاومة أمام مسؤولياتها الإيمانية والأخلاقية حول القدس، فإن الرئيس عون شاء أن يختتم “قُداسه” بين المسلمين، بِعِظَةٍ تُحذِّر الأنظمة السياسية من التمادي في النزاعات البينيَّة التي تقضي نهائياً على القضية الفلسطينية الجامعة للعرب، وعلى رمزية القدس التي تجمع العالم كله حول القيم الدينية والإنسانية، وأن ما يحصل اليوم، هو نتيجة حتمية لانحرافنا عن الهدف في إنقاذ تاريخنا وإنساننا وتراثنا، قبل أن نسقط وتسقط معنا القدس وتضيع فلسطين الى الأبد.

وحدها الورقة اللبنانية التي وردت في “عِظَة” الرئيس عون، هي الأساس في تلك القِمَّة، ولا بُدَّ من خطواتٍ عملية في مجلس الأمن والأمم المتحدة باسم مجموعة الدول الإسلامية لتعطيل القرار الأميركي وإلزام الولايات المتحدة إلغاءه، والقيام بحملة دبلوماسية تهدف إلى زيادة عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين، والإنتقال إلى اعتبارها دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، مع اتخاذ الإجراءات القانونية والسياسية والدبلوماسية اللازمة لإعتماد القدس عاصمة لها، مع ضرورة اتخاذ إجراءات عقابية موحّدة ومتدرِّجة، دبلوماسية واقتصادية، ضد أي دولة تنحو منحى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإذا لم تقترن مقررات القِمَم بخطوات عملية مدعومة بتحركات شعبية مُقاومة، فلن نقول السلام على القدس، بل على أنظمة سياسية فاسدة ستنهار وتبقى القدس…

المصدر: المنار
لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)