أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


تفاصيل التآمر على الكنيسة الأرثوذكسية المشرقية بالأراضي المقدسة

– مؤامرات ثيوفيلوس.. (التفاصيل)

***

تعلو الأصوات المحذّرة من خطر بيع أوقاف الكنيسة الأرثوذوكسية في فلسطين من قبل البطريرك اليوناني ثوفيلوس إلى مؤسسات وجمعيات صهيونية، وهذه القضية أعادت طرح تساؤلات عن سبب حصر إدارة الكنيسة في يد اليونان فقط تاريخياً، وعن الاتفاقيات التي وقِّعت مع مؤسسات الاحتلال من القرن الماضي.

الكنيسة بين احتلالي العثمانيين والاسرائيليين وجذور التغلغل اليوناني
يعود تاريخ وصول الرهبان اليونان إلى إدارة الكنيسة الأرثوذوكسية إلى زمن الاحتلال العثماني، منذ دخول السلطان العثماني محمد الفاتح إلى القسطنطينية سنة 1453 وما تلاه من سيطرة عثمانية على الكنيسة وتشتت السلطنة في مرحلة لاحقة، ما استتبع استقلال الكثير من الكنائس حول العالم عن كنيسة القسطنطينية.

ويشير المحامي أليف صباغ في العدد 61 من مجلة “قضايا اسرائيلية”، إلى أن العنصر اليوناني بدأ بالسيطرة على الكنيسة الأرثوذوكسية سنة 1534، في زمن السلطان سليمان الثاني. فتشكل حلف عثماني – يوناني ضد الارثوذوكس العرب لتولي الكرسي البطريركي في القدس ومنحهم إمتيازات حماية تحت الحكم العثماني، وصدرت قرارات متتالية لأول مرة باسم “بطريركية الروم الارثوذوكس” سنة 1538 بعد أن أدخلت الرئاسة اليونانية اسم “الروم” إلى اسم الكنيسة. ويؤكد صباغ إنشاء البطريرك جرمانوس أخوية القبر المقدس التي عملت على استبعاد العنصر العربي منها، من خلال مجموعة قوانين داخلية شكلت تأكيداً للسيطرة اليونانية على الكنيسة في القدس، مثل المادة الحادي عشرة التي تشير إلى حق الاخوية بالملكية الكاملة على ممتلكاتها داخل فلسطين وخارجها والحق لها بالتصرف بها بكامل حريتها.

أصبحت العلاقة بين الكنيسة اليونانية والكنيسة الارثوذوكسية العربية في حال مدِ وجزر في انعكاس دائم للأوضاع السياسية، لتداخل الصراعات فيها بين روسيا والعثمانيين واليونان وفرنسا، وصولاً إلى انشقاق كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك عن الكنيسة اليونانية وبدء نهاية الامبراطورية العثمانية وتدخل الدول الكبرى في تقسيمها، لينعكس ذلك على طريقة إدارة اليونان للكنيسة في القدس. واستكمل هذا المشهد بعد الانتداب البريطاني في لجان ومؤتمرات في محاولة لمنع الاحتكار اليوناني، إلى الاحتلال الاسرئيلي والنضال من الشخصيات والمنظمات الارثوذكسية العربية ضد تهويد القدس عن طريق تسليم الاراضي التابعة لهم بسوء إدارتها من قبل اليونان، لتستمر فصول هذا الصراع حتى يومنا هذا.

أزمات البطريركية المالية وواقعها العقاري
يوضح عضو المجلس المركزي الارثوذكسي في الأراضي المقدسة السيد عدي بجالي لموقع “اليوم الثالث”، أنه بعد الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 ونشوء الدولة الشيوعية في روسيا توقفت زيارات الحجيج للروس وتلاها حجاج شرق أوروبا، مما أدى الى شح واردات البطريركية من التبرعات والنذورات السخية التي كان يقدمها الحجاج وخاصة الروس منهم إلى المزارات الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة، بالإضافة إلى تجميد نشاط الجمعية الإمبراطورية الروسية الفلسطينية والتي قامت أيضا بالمساهمة ببناء الكنائس والمدارس وأيضا تم من خلالها شراء عقارات كبيرة تبرعاً للبطريركية.

ويلفت بجالي إلى أن “توقف هذه الإيرادات للبطريركية أدخلها في أزمةٍ مالية في تلك الفترة، فتدخل الإنتداب البريطاني وأنشأ لجنتي تحقيق في أوضاع البطريركية، وتناولتا القضايا في علاقة البطريركية مع الرعية والوضع المالي، وهذا ما أضاء على الفساد الذي كان مستشرياً في البطريركية”. وأوضح أن الإنتداب منع البطريركية بالتصرف على هواها باقتراض الاموال وببيع العقارات، وفرض عليها استدانة قرض من المال من بنك باركليز واعد قائمة لبعض العقارات ليتم بيعها لتسديد العجز المالي”.

ويشدد بجالي على أنه لا يوجد إحصاء دقيق لمساحات أملاك البطريركية في الاراضي المقدسة (فلسطين والاردن)، كما انهم لا يملكون كشفاً لأملاك البطريركية خارج الاراضي المقدسة، فهناك العديد من الاراضي والاملاك الكبيرة والهامة في دول شرق اوروبا وحتى في اليونان وقبرص ولبنان.

وتشير التقديرات بحسب بجالي، إلى أن ما تبقى للبطريركية من أملاك داخل الاراضي التي احتلت عام 1948 يزيد عن 120 الف دونم. فالبطريركية قامت في السنوات الخمسين من القرن الماضي وبعد انشاء دولة اسرائيل، بتأجير أراضي شاسعة ومهمة الى الكيان الاسرائيلي باتفاقيات احتكار لفترات طويلة ( اغلبها 99 عاما ولغاية 135 عاما)، مثل اتفاقيات الطالبية ورحافيا ودير المصلبة وغيرها من مناطق بالقدس. وفي بداية السبعينيات من القرن الماضي بدأت البطريركية باتباع ذات الأسلوب ايضاً مع شركات يهودية تجارية واستمر هذا الحال بتفاوت بكميات العقود حتى استلم ثيوفيلوس سدة البطريركية عام 2005.

مؤامرات ثيوفيلوس والغموض المالي
يقول بجالي إنه “منذ تولي ثيوفيلوس سدة العرش، قام بتنفيذ صفقات حتى قبل ان تمنحه اسرائيل البراءة العثمانية لمزاولة مهامه كبطريرك في شهر كانون الأول من عام 2007”. ويؤكد أن أولى هذه الصفقات “كانت أرض الشماعة بالقدس وتلاها عقار حيفا وعشرات الصفقات الاخرى والتي معظمها صفقات بيع لكامل الحقوق واجهاز على ما تبقى للبطريركية من املاك وعقارات، وحتى الاملاك الوقفية التي اوقفها ابناء هذه البلاد للكنيسة ورهبان من البطريركية جرى تنفيذ العديد من صفقات البيع الكامل لها”.

ويشير بجالي إلى مثال اتفاقية الطالبية ورحافيا التي كان عقد إيجارها سنة 1951 لمدة مائة عام أي لغاية عام 2051، لكن البطريرك ثيوفيلوس عقد صفقة تمديد للإيجار عام 2011 لشركة يقف خلفها مستثمرون يهود من أكبر داعمي الجمعيات الاستيطانية في البلاد، أي قبل ان تنتهي مدة الإيجار بأربعين عاماً. ويضيف أن وبعدها وتحديداً عام 2016 قام ببيع حقوقه لهذا العقار الذي يشمل ما يزيد عن 570 دونماً مقام عليها قرابة 1200 وحدة سكنية ومجمعات ترفيهية وفنادق وملاعب ومستوصفات ومسارح وغيرها من منشآت هامة، كما تحوي الارض مساحات واسعة قابلة للاستثمار والبناء عليها. هذه العقود لم يتعد عائداتها 40 مليون دولار علماً ان أحد التقديرات لمخمن عقارات يقارب 3 مليار دولار.

يعتبر عدي بجالي أنه لا يوجد عاقل لا يمكنه تفسير هذه الصفقات في ظل التفريغ المتواصل لمخزون املاك البطريركية وبأبخس الأثمان، سوى بالتأكيد أن هناك عملية نهب وسرقة للكنيسة ولدوام وجودها مستقبلاً في ظل انعدام الشفافية المطلوبة وعدم تقديم أي كشوفات مالية للبطريركية وعدم معرفة أين تودع الأموال. ويلفت إلى أن منذ اربع سنوات نشر مقال في إحدى وسائل الإعلام اليونانية يتطرق إلى أن محامي البطريركية أودع في حساباته في إنجلترا ما يقارب 170 مليون دولار، ومن جهة اخرى دفع اكراميات، ورواتب الكهنة والرهبان تدفع بعد مضي ثلاث اشهر في ظل انعدام الخدمات الروحية والارشاد وحياة التنشئة والتوعية.

وقال بجالي إن “الشبيبة الارثوذكسية لا نشاط لها ولا توجد أي جوقة كنسية رسمية للبطريركية، ومن يقوم بهذا النشاط هي الطوائف المحلية وعلى كلفتها الخاصة، وحتى بناء الكنائس أو ترميمها لا تحظ بدعم مالي من البطريركية ناهيك عن بعض المدارس التي تساهم البطريركية بفتات مالي لا يتعدى 5% من تكلفتها بل غالبيتها تدير شؤونها بنفسها وبدعم أولياء أمور طلابها”.

إن هذا الواقع الذي عرضته شخصية فلسطينية مسيحية، يؤكد أن عملية بيع الأرض لا تختلف عن تهجير الانسان الفلسطيني منها، فهي عملية إفراغ الهوية الفلسطينية من جذورها ومستقبلها وخاصة للاوقاف التابعة للكنيسة، حيث تفقد صفحات الانجيل معنى الأرض التي عاش عليها المسيح!

موقع “اليوم الثالث” (سوريا)
لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)