أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


إستقلال إقتصادي… لتحرير لقمة عيش المواطن (فادي عبود)

– وجهان من الاحتلال الإقتصادي: خارجي وداخلي

***

نستقبل عيد الاستقلال هذا العام وقد حقّقنا إنجازات أساسية تتمثّل بانتخاب رئيس جمهورية آتٍ من إرادة الشعب وعودة الحياة الدستورية الى لبنان، والتي تنتظر الانتخابات النيابية لتكتمل فصولها. ويشعر اللبنانيون اليوم بمعنى أقوى للاستقلال لأنّ رئيس الجمهورية حاضن الجميع وأثبَت أنّه رجل الأزمات والمواقف، حيث شعرنا خلال الأيام الماضية أنّ لبنان يبادر ويتمسّك بمواقفه، وهي مواقف شهد الجميع، خصوم وحلفاء، بصلابتها وأهميّتها ووطنيتها.
إلّا أنّ ما يُضعف موقف لبنان في أيّ أزمة إقليمية، يبقى من دون أدنى شك هشاشة وضعه الاقتصادي وبناء اقتصاده الحديث على نظرية أنّ تحويلات غير المقيمين هي خير للبنان، وارتضاءه بأنّ يتحوّل الى مصنع بشري يُصدّر أبناءَه وأدمغتَه الى الخارج.

لقد أثبَتت الأزمة السعودية الراهنة أنّ ما يكسر كرامة وكبرياء اللبنانيّين ليس إلّا ارتهانهم الاقتصادي وعدم قدرتهم على تحويل الاقتصاد الى اقتصاد منتج قويّ يخلق فرص عمل وإنتاج، ولا أتكلم هنا عن المملكة العربية السعودية حصراً بل عن حاجة اللبنانيّين الى عطف ورعاية اقتصادية خارجية للاستمرار، علماً أنّ صادراتنا في الأساس مقبولة بسبب نوعيّتها وتنافسيّتها، وليست عمل خير باتجاه لبنان من أحد، ويبقى هذا الواقع هو العائق امام الاستقلال الكامل والحقيقي.

فالعنصر الأساسي الذي يُحقّق السيادة لأيّ بلد، ويضمن الحقوق وكرامة المواطن، العنصر الأساسي الذي ما زال رهن الصراعات ولم تطله حسنات التحرير والانتصارات، هو الاقتصاد اللبناني.

بات واضحاً أنّ لبنان لن يكون في منأى أو معزل عن الأزمات والتقلّبات والصراعات التي تستمرّ في المنطقة، وبالتالي يجب قولبة اقتصادنا وتحصينه لكي لا يصبح عاجزاً امام أيّ ازمة.

واليوم اقتصادنا ما زال محتلاً، وهناك وجهان لهذا الاحتلال، احتلال خارجي حيث أثبتت السنوات الماضية أنّنا أسرى لعبة المقاطعة الاقتصادية التي تكبّد لبنان الكثير، واحتلال داخلي حيث ما زال محتلاً من المحتكرين. فالاحتكارات في لبنان تطاول مختلف القطاعات العامة والخاصة، والدولة اللبنانية أصبحت أكبر محتكر في لبنان، وأثرها المباشر على الاقتصاد انعكس على تنافسية الاقتصاد الوطني وعلى أسعار الخدمات في لبنان، وهذا أثّر بشكل كبير على البيئة الاستثمارية.

وبالتالي يجب العمل على مسارين، في الماكرو عبر تحويل شكل الاقتصاد من الريعية الى الإنتاج، وتوفير بيئة منتجة قادرة على المنافسة وسياسات اقتصادية صديقة للمستثمر، وفي الميكرو عبر معالجة سريعة وفعالة لما يُشبه الحصار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان. فالانخفاض الكبير للصادرات والذي وصل الى نحو الـ40 في المئة هو مؤشر خطير يجب العمل على معالجته سريعاً.

لقد قامت دولة قطر بخطوات اساسية عدة لمواجهة الحصار عبر تطوير المناطق الحرة، عبر منح تسهيلات وحوافز جديدة للمستثمرين من شأنها فتح الباب أمام دخول رؤوس أموال إضافية إلى البلاد، وتم إدخال تعديلات على القانون رقم 21 لعام 2017 شملت حوافز وتسهيلات عديدة للمناطق الحرة.

وحسب المحللين، ستدعم هذه الخطوة خطط الحكومة في كسر الحصار الذي فرضته 4 دول عربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) على الدوحة، وأنّ التسهيلات تتضمّن إعفاء الأصول ومستلزمات الإنتاج والصادرات والواردات من الضرائب والرسوم، وعدم وجود قيود على جنسية رأس المال، وحرية اختيار الشكل القانوني للمشروع، وحرية تحديد أسعار المنتجات والأرباح، وإعفاء الأصول الرأسمالية ومستلزمات الإنتاج والصادرات والواردات من الضرائب والرسوم.

كما دعم الاستثمار في الدولة وتقديم حوافز تشجيعية جديدة للقطاع الخاص لدعم الصناعات المحلية وزيادة الإنتاج بما يضمن توفير مختلف السلع في الأسواق المحلية والخارجية. والملاحظ هنا أنّ كل هذه الخطة لا ترتكز على الاحتكارات من أيّ نوع كانت بل على تنافس يؤدي الى تخفيض الاسعار.

لقد بات ضرورياً على لبنان تأليف لجنة طوارئ اقتصادية لمواكبة التطورات المقبلة واقتراح آليات لدعم التصدير وتشجيع الإنتاج المحلّي، فكما كانت الحركة السياسية ناشطة لمواكبة الازمة يجب أن يقابلها حركة ناشطة لتحليل ومواجهة الآثار الاقتصادية.

ومعالجة عوائق التصدير وجعل موضوع انخفاض الصادرات عنوان لجنة الطوارئ الجاد، من حيث العمل على إزالة الرسوم والضرائب، محاولة إيجاد حلول للحصار البرّي عبر إعادة فتح معابر التصدير البرّي، الاستفادة من تسهيلات التصدير الى دولة قطر، العمل الجدي على موضوع المواصفات الأوروبية عبر تطوير المنتجات لملاءمة السوق الاوروبية وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بالنسبة للمواصفات الخ…

باختصار اعتبار التصدير مقاومة وسيادة اقتصادية، واعتبار كل من يُصدّر هو داعم لسيادة هذا البلد وكينونته. فالسيادة لا تكون بالشعارات، السيادة هي إنتاج وعمل.

أخيراً لا بدّ من الإشارة الى أنّ لعبة المقاطعة الاقتصادية هي سيف ذو حدين وتؤدّي الى فشل اقتصادي على مستوى المنطقة العربية بالكامل، حيث فقدت الدول ثقتها بالسوق العربية كجاذب للاستثمارات، يجب أن نتعلم أن نُحيّد الاقتصاد عن السياسة، وعدم استعمال الاقتصاد ليكون أداة سياسية، فهذا يؤخّر وحدة الاقتصاد العربي ويدفعنا الى الوراء.

يجب أن يبقى الاقتصاد فوق التخبّطات السياسية، لقد أدركت العديد من الدول الغربية فشل لعبة المقاطعة الاقتصادية والتي لا تؤدّي الى النتيجة المطلوبة او المتوخاة، حيث تلجأ الدول التي تتعرّض الى المقاطعة الى طلب المساعدة من دول أخرى وتبتعد عن الدولة التي تنفذ المقاطعة، كما خسارة الحلفاء الداخليّين لهذه الدولة كما جاء في كتاب World Politics لشارلز كيغلي، مستشار كارنيغي للأخلاقيات في العلاقات الدولية.

أما بعد، وفي ذكرى استقلالنا، يجب أن نثبت استقلالنا وكينونتنا الاقتصادية قبل كل شيء، يجب أن لا تتحول لقمة عيش اللبناني الى بيت من ورق أمام كل ازمة، ويجب أن يشعر المواطن بكرامته الاقتصادية ليحيا مواطناً سيداً حراً مستقلاً.

المصدر: الجمهورية
لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)