أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


22 إستقلال ووحدة وإستقرار

الكسندر نعمة – إعلامي وكاتب سياسي.
في 19 تشرين الثاني 2017.

منذ مدة طويلة، لم أكتب مقالات طويلة، وذلك يقينًا مني أنَّ المجتمع العربي يبحث دائمًا عن المقالات الصغيرة والافكار المقتضبة. ولكن الموضوع اليوم لا يمكن توصيفه بأفكار صغيرة ومقتضبة، وبالتأكيد لا يمكن شرحها ببضع كلمات، ذاك لأن أهمية المرحلة المقبلة تحتم علينا اليوم، تصويب الأفكار ووضعها في إطارها الموضوعي والواقعي.

لقد بات اليوم من الثابت أنَّ إستقالة الرئيس سعد الحريري من المملكة العربية السعودية، لم تكن لتحصل لو لم يكن هناك ضغط من الأخيرة. أو أقله لما كان سقف الإستقالة خرج عن التعابير السياسية المألوفة داخل مجتمعنا اللبناني والمتعارف عليها عند كل الفرقاء السياسيي، فحتى في خضم الأزمة السياسية لم يلجأ أي طرف سياسي محلي إلى توصيف أي طرف آخر، بهذه الالفاظ والنعوت.

أمَّا، تدخل فرنسا وبعدها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الاميركية ما هو إلاَّ تأكيد أن الإستقالة لم تكن سوى فعل ضغط مُرس من قبل السعودية على رئيس حكومة لبنان، وأمام توحد اللبنانيين وعدم إنجرارهم إلى ردّت فعل غرائزية، وما أنتجه هذا التوحد من إستقرار سياسي، أمني وإقتصادي، فرض على هذه الدول أن تأخذ هذا الموقف وتلجأ إلى كل الطرق الديبلوماسية من أجل تحرير رئيس حكومة لبنان وبأقل خسائر سياسية لكل من لبنان والسعودية.

اليوم، وبعد أن وصل الحريري إلى باريس، لا بدّ من إستثمار هذه الحركة لتحصيل أكثر كمية ممكنة من المكاسب لكل من السعودية، فرنسا، الاتحاد الاوروبي، أميركا وبالتأكيد لبنان.

بالعودة، إلى ما قبل الحديث عن المكاسب، يوم قرر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبحكمته وكعادته إلتقاط كرة النار ومعالجتها وبأقل الخسائر عبر تحصين لبنان وخلق حالة من إلتفاف اللبنايين وتبني مقولة أي طائفة تهدد يعني أن كل لبنان وبكل مكوناته مهدد. وإستُكمل هذا الموقف، بتأكيد الرئيس نبيه بري على الوحدة والتمسك بالآليات الدستورية، واللافت بالموضوع كان موقف المفتي دريان الذي حضن الطائفة السنية الكريمة وجعل من الوحدة الوطنية المطلوبة فعل إيمان بلبنان.

ولكن الأهم في كل هذه الصورة، كان موقف سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، والذي جاء ليُكمل اللوحة التي بدأ برسمها فخامة الرئيس مع الأفرقاء اللبنانيين.

وهنا، الموضوع الأهم، ففي خلال إسبوع، أطل سماحة السيد مرتين، ليرسم خريطة واضحة، ويرسل جملة رسائل، الأهم برأي الخاص، كان الثقف الذي وضعه لأي تسوية جديدة، تُعيد الرئيس الحريري على رأس الحكومة وتعيد تثبيت استقرار لبنان السياسي، الامني والاقتصادي. فإعتبر بكلمته وما معناه، أنًّ إذا كان المطلوب من حزب الله الخروج من سوريا، فالمعارك في سوريا شارفت على الانتهاء، فهذه الرسالة بدلالاتها، كانت واضحة، تُريدون أن نخرج من سوريا لتثبيت خيار لبنان النأي بالنفس أما ما يحصل في المنطقة، فنحن لا نعارض، هناك رئيس جمهورية اليوم نثق بحكمته، وجيش وطني إستطاع إجتثاث الإرهاب من الحدود اللبنانية السورية، وأبعد الحركات الأصولية عنّا، وهناك شبكة مخابرات وقوة أمنية وقضاء يعمل ليلاً نهارًا من أجل تثبيت الأمن الداخلي وعدم السماح لأي أحد بزعزعة الاستقرار. وهذا ما طالما طالبنا به.

ماذا يعني هذا الكلام، في لغات التسويات الديبلوماسية، وهنا لا أملك معطيات، ولكن أعطي تحليل، قد يصح وقد لا يصح، أن وزير الخارجية جبران باسيل، قد يكون تطرق إلى هذا الملف من باب عرض الافكار، لتثبيت التسوية المطلوبة للمرحلة المقبلة.
أولاً: جميع الدول التي تدخلت في الحرب السورية، من أجل إسقاط النظام، إعتبرت أن وجود حزب الله في المعارك، جعله قوة إقليمية، لا يمكن لأي دولة القبول به، وخروجه من الملف السوري، يُعيده الى المربع الأول، أي المربع قبل الحرب السورية، ليكون فقط جزء من حالة الاستقرار المطلوبة، وتوازن الرعب بين لبنان والعدو الاسرائيلي. وهذا الموضوع يمكن أن تستثمره الدول الاقليمية والدولية لصالح تحصيل نقطة لصالح ملفها في السياسة الخارجية.

ثانيًا: عودة الرئيس الحريري، الى الحكم في لبنان، أصبح في سياق الوحدة الوطنية التي تجسدت في الاسبوعين الاخيرين، ضرورة ملحّة، ولا يمكن تخطيها، تحت أي زريعة أو موقف، ولكن عودته مشروطة وكما قال، بتسوية جديدة، تضمن لبنان واستقراره للمرحلة المقبلة، إحدى شروط هذه التسوية، يمكن أن تكون تنقيذ النقطة السابقة وإعتمادها أساس لعودة الرئيس الحريري عن إستقالته، وإعادة حركة ونشاط الدولة .

ثالثًا: كل ما قيل، عن تدخلات من هنا وهناك، وبخاصةٍ في ملف اليمن والبحرين، لا يعدو كونه تصريحات سياسية ومواقف، ففي حال نأى الحزب بنفسه عن كل ما يجري هنا وهناك، هذا لا يعني أن يمكن لمجلس التعاون الخليجي التعامي عن ما يحصل في اليمن، والتي باتت تصاريح مؤسسات حقوق الانسان والامم المتحدة تقول وتصرح أكثر بكثير مما كان يقوله سماحة السيد في إطلالته أو أحد كوادر الحزب عن الموضوع، وفي ملف البحرين الحديث ذاته، ما تحاول أن تقوم به الحكومة البحرينية لا يمكن إنكاره في اللغة الدولية حتى لو قرر سماحة السيد عدم التطرق لهذ الموضوع. ماذا يعني هذا الكلام ؟ أن الصراع القائم اليوم في الخليج العربي ليس مرتبط بموقف سياسي يتخذه حزب لبناني، بل هو مرتبط بشكل مباشر بمدى الوعي السياسي عند المسؤولين هناك بإيجاد حلول لإستمرار دولهم وشعوبهم.

من هنا، على السياسيين اللبنانين، خيارين وحيدين، وأمام التحديات الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون اليوم، والتي باتت موضع نقاش كبير وكبير في الداخل، واستكمالاً للوحدة الوطنية التي تجسدت في الاسبوعين الاخيرين، ونحن على أبواب عيد استقلال لبنان.

– الخيار الاول أمام اللبنانيين لا بدَّ أن يتظهر بتسوية جديدة، تبدأ بإنهاء دور حزب الله في سوريا، تنفيذًا للخطاب الأخير لسماحة السيد، يتخلله عودة للرئيس الحريري على رأس الحكومة، ونأي بلبنان عن كل الصراعات العربية القائمة حاليًا، وذلك إنقاذًا للوحدة وللاقتصاد، وتأكيد على إستمرار لبنان واحة حوار وتلاقي كما أعلنه فخامة الرئيس من على منبر الامم المتحدة.

– الخيار الثاني، وهنا ندخل في المجهول، تحت شعار ادارة الازمة، بقاء حزب الله في سوريا، تثبيت استقالة الحريري، مما يعني دخول لبنان في نفق مجهول، كالنفق الذي دخله يوم انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، واستمر اللبنانييون يسيرون في هذا النفق لأكثر من سنتين ونصف، مع ما ترتب على اللبنانيون من أعباء مالية وسياسية واهتراء كبير بكل مؤسسات الدولة.

أمام هذين الخيارين، لا بدّ ان نراهن على حكمة القيادات اللبنانية، والتي منذ أسبوعين أثبتوا قدرتهم على التحاور والتشابك لمصلحة لبنان واللبنانيين. بينما يتحضر اللبنانيون لرفع علم لبنان إحتفالاً بإستقلال وطنهم، نطلب من السياسيين تثبيت هذا الاستقلال، بوضع خريطة طريق واضحة تجمع اللبنانيين ولا تفرقهم.

خطوط التواصل مفتوحة، صلاتنا في هذه الايام نرفعها لكي نثبّت معًا استقلالنا ووحدتنا.