أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


‎أمراض وسائل الاعلام الجديدة، حماية وشفاء: “L’Homme connecté” والديانة الزائفة

‎جان – كلود لارشيه (جامعة سيدة البلمند)

‎ملخص لبعض الافكار الرئيسية :

 

– إنتشار هذه الوسائل والاشكاليات: غزت وسائل الاتصالات الجديدة المجتمعات على اختلافها.
بداية مع التلفزيون الذي اصبح من صلب الحياة الاجتماعية اليومية.
بالفعل، في كل بيت نجد عدة تلفزيونات. في الولايات المتحدة 80% من المنازل لديهم اكثر من 3 تلفزيونات ولدى 70% من الاولاد الذين يزيد عمرهم عن 8 سنوات، تلفزيون في غرفتهم.
***
‎التلفونات الذكية منتشرة في العالم كلّه حتى في البلدان الفقيرة التي ينقصها الحد الادنى من ضروريات الحياة.
media
الكومبيوتر منتشر في كل نواحي الحياة اليومية، في الاعمال والشركات والبنوك وفي المدارس ابتداء من الصفوف الابتدائية. نتج عن انتشار كل هذه الوسائل أشكال جديدة من الامراض، لكن الناس ليست واعية لها، لكن على العكس هناك جو اجتماعي جارف يشجّع ويروّج بكثرة لهذه الوسائل وتطبيقاتها التي تتجدّد باستمرار. والكل يسعى لاقتنائها وإلا أحسّوا أن شيئا ما جوهريا واساسياً ينقصهم.
كذلك استعمال الانترنت صار منتشرًا وأساسيا وكل التطبيقات الرقمية صارت أمرًا حتميًا.
روّج لكلّ هذا الانتشار فكر “ميتولوجيا التطوّر” الذي ينبئ بتطوّر لا نهائي للتكنولوجيا التي تساهم بتحسين ظروف الحياة البشرية. هذه الميتولوجيا روّج لها تجار هذه الاجهزة والبرامج الالكترونية والذين يهمهم ان يجدّد المستهلكون أجهزتهم باستمرار. لا شك ان لكل هذه الاجهزة وتكنولوجياتها فوائد جمّة والامر له علاقة بحسن استعمالها إذ يمكن استعمالها للخير أو للشر.
media2
يهمنا ان نلفت الى الاخطار الناتجة عن الافراط وسوء  الاستعمال، الذي أصبح للاسف القاعدة لدى الجميع. انهم يستعملونها أكثر فأكثر ولأوقات أطول بدون تنظيم ولا ضوابط وهنا تكمن المشكلة الاساسية. أصبح الانسان محكوماً ومراقبًا بهذه الاجهزة وقد نجحت وسائل الاعلام الجديدة في تغيير الانسان في العمق.
***
‎- يشير إختصاصي  أميريكي كبير في وسائل الاعلام (مارشال ماك إيوان) الى ان الذي أصبح مهمًا ليس “الرسالة” أو الخبر لكن الوسيلة الاعلامية نفسها.
إن طريقة عمل هذه الوسائل يؤثّر بعمق في عادات الانسان، وطريقة عيشه، وفي حركات جسمه، ويشير بعض الباحثين المهتمين بالناحية النفسية ، الى تاثير أكيد على الدماغ وتعديل اتصالاته. إن تمضية عدّة ساعات على الانترنت كل يوم، سيؤثر حتمًا على الاشخاص في نومهم، في ميكانيكية تصرفاتهم، الجسدية والنفسية وفي حياتهم الروحية. لدينا إنسان جديد هو “الانسان الموصول” L’Homme connecté وهو إنسان متمحور بالكامل على التواصل.
homme-connect
‎- إن وسائل الاعلام الجديدة أصبحت استبدادية tyranique ، أي انها أصبحت لاغنى عنها ومفروضة على الانسان لدرجة انه عاجز عن القيام بأي مهام دون اللجوء إليها. هناك انغلاق تدريجي للانسان المعاصر في هذا المجتمع الإعلامي واستبداد حقيقي. لقد أصبح الانسان اسيرًا وسجيناً باستعماله الارادي لهذه الوسائل.
***
‎- التحوّل في طريقة إدراكنا وعيشنا للوقت. أيضًا، من النتائج السلبية الملموسة لاستعمالنا لهذه الوسائل:
‎إنّ الاغراءات المتواصلة التي تعرضها علينا هذه الوسائل، تسبّب نوعًا من تسارع للزمن acceleration du temps، زمن ارتجاجي مجزّأ ومتقطّع. صار صعبًا جدا  ان يتوفر للمستخدمين وقت متواصل للقيام  بأنشطتهم. ولذلك نتائج سلبية على حياتهم الروحية أيضًا. في صلاتهم وفي تامّلهم. الوقت متقطع بشكل متواصل، ما يؤدّي الى اختزال الوقت، بسبب كثرة المشغوليات وتسارعها كما يوّلد إحساسًا بأن الوقت يمرّ بسرعة وأصبح مقصّرًا. وينتهي الامر باستحالة ضبطه !
***
‎يساهم هذا الامر في إنتاج إنسان غير متسامح وغير صبور، يريد تلبية حاجاته بسرعة و محبط  في عالم بدون انتظارات ولا رغبات ولا صبر. كما ينتج عنه إرهاق وإجهاد وقلّة تركيز، تدنّي أوقات الفراغ، وانعدام المساحات اللازمة للحياة النفسية والروحية. في الحقيقة إن ما يصل إليه المستخدم، هو حالة من الادمان على هذه الوسائل وشكلٌ من العبادة لهذا النظام التواصلي المتواصل.
tawasol
‎- تدمير العلاقات الشخصية: أصبح العالم قريةً صغيرة، انتفت فيه كلّ المسافات، كأنّ الناس يعيشون جنبًا الى جنب. لكننا نرى بالمقابل، تدهورًا للحياة الاجتماعية والتواصل بين العائلات وداخل العائلة الواحدة.
كثرت مواقع التواصل من دون تواصل حقيقي في عالم افتراضي virtuel  . كثرت الوسائل الرقمية من دون تلاقي. إنّ وضع التواصل المتواصل وإلزامية الرد على كل اتصال، ارتدت نتائجه السلبية بين العلاقات الاجتماعية وادى الى انعدام التواصل بين أفراد العائلة. هذا العالم المفرط التواصل أصبح عالمًا منعدم التواصل.
***
‎- أدى استعمال هذه الاجهزة الى فقر في أسلوب التواصل، الى أسلوب متراخٍ وسطحي، تنعدم فيه لياقات التواصل وصيغ آداب التواصل ولمساته الانسانية. تواصل تجريدي ذي نوعية متدنية.
***
‎- خلق فردانية جديدة un nouvel Individualisme
‎ كلّ شخص منطوٍ على جهازه، المحادثات متقطعّة للردّ على الاتصالات، انطواء على الذات، شكل جديد من التوّحدune nouvelle forme d’autisme ، إحساس بأنّه الكائن الوحيد. العلاقات الحقيقة تستبدل بالعلاقات الافتراضية على مواقع التواصل الجتماعي. ينتج عنها حالات نفسية مرضية منها الانهيارات العصبية والانتحار فالمستخدم لديه ربما 2000 صديق على الفايس بوك ولكنه في الواقع ليس لديه صديق واحد في حياته.
على الانترنت: إلغاء للشخصنة، لا نوعية للتواصل، لقاءات سيئة، مخدرات، جنس،بدع، مضايقات، احتيالات،…
media3
‎- إلغاء للحياة الخاصة: كل شيء معروض على وسائل التواصل الاجتماعي. لا حياء، فقدان للحياة الشخصية العميقة، للخصوصية،  إظهار غير مضبوط ولا اخلاقي…
‎- إهمال للجسد، تأثير سلبي على الصحة، أرق، تعب، أوجاع في الرقبة والعمود الفقري، عادات غذائية غير صحية، كحول، تدخين… من جراء الاستعمال الطويل لهذه الوسائل (تلفزيون، انترنت،…)
‎- أمراض نفسية: شكل جديد من الإدمان (الاحساس بالضياع إذا لم يكن جهازك معك، او لا وجود للانترنت) /ضعف تركيز/ قلة انتاجية وفاعلية/ الانسان مسيّر من الخارج بواسطة وسائل الاعلام الجديدة والتواصل المتواصل، و موّجه بواسطة معلومات ربما تكون غير صحيحة، ما ينتج عنه أيضًا رؤية غير صحيحة للعالم، بالاضافة الى انه افتراضي/ فقرٌ داخلي (فقدان الاستقلالية والهوية)/ نرجسية وتمحور حول الذات (خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي)/ تدنّي في المهارات الثقافية والمدرسية والاداء (ركاكة الانشاء وضعف المفردات، الاغلاط الاملائية،..)/ تدنّي التفكير و ضعف في الذاكرة/ تقطيع و عدم تنظيم الافكار/ قراءة سطحية للصفحة الالكترونية/
‎- تعديل لهيكلية الدماغ من خلال خلق اتصالات جديدة بين الخلايا، ينتج عنه تعديل في عمله، ينتج عنه امراض نفسية
‎- ظهور عبادة جديدة وصنمية جديدة لهذه الوسائل الجديدة التي يكرسّون لها أغلب وقتهم على حساب العلاقات الاخرى مع الاخرين ومع الله من خلال الصلاة.
مثلا في كندا ظهرت عبادة الاله غوغل Google لانه كل شيء، حاضر في كل مكان ومالئ الكل، إنه لا متناهي وأبدي، يساعد، يجيب على كل الاسئلة، يستجيب لكل طلباتنا، يسعدنا ويلبي كل حاجاتنا،… هذا مثال واقعي عن خطورة هذه الوسائل التي تستهلك طاقات الانسان المعاصر على حساب صحته الجسدية والنفسية والروحية.
***
– على المستوى الروحي:
– فكر عبر – الانسنة Transhumanisme
‎يموّل كل وسائل الاعلام الجديدة، التجار القيّمون عليها من أجل خلق إنسان جديد مُسيّر بالكامل، بواسطة تقنيات تكنولوجية معلوماتية. يروجون لفكر يقول إنه بالتكنولوجيا يمكننا ليس فقط استبدال الاعضاء المريضة في الانسان، بل صنع دماغ جديد له !
transhumanisme-transhumaniste-biologiquement
بواسطة التكنولوجيا الموّجهة والمعلوماتية الجديدة، يمكننا خلق إنسان جديد خالد لا يفنى! مبالغ ضخمة تستثمر في هذا المجال لخلق ما يسموّنه “الانسان المُزاد”l’homme augmenté  هذا هو فكر عبر الانسنة الرائج في الولايات المتحدة والذي يتكلم عن الانسان الجديد.  نشهد نوعًا من الديانة الزائفة، التي مصدرها شيطاني بادعاء توفير عدم الفساد والابدية للانسان.
***
‎- لقد استبدلت هذه الوسائل  العمودية بالافقية. العمودية هي التواصل مع الله استُبدلت بتواصل مبتور افقي مع الاخرين لأن لا تواصل حقيقياً مع الاخرين بمعزل عن الله (لا شركة)، ولأن العلاقات الانسانية قد انقطعت وبترت بين الاشخاص كما تبين لنا. ينتج عن ذلك تمحور الانسان حول ذاته، انفلات في الاهواء والشهوات.
‎- دمار الهدوئية Hesychia  الهدوء والصمت الاساسيَّين للحياة الروحية، روحانية الفيلوكاليا ترتكز على الهدوئية التي هي نسك ووحدة وصمت وصلاة في الانعزال. انطلاقا من مبدأي: اليقظة والانتباه La vigilance et l’attention. لا نمو روحياً من دون هذه اليقظة والصلاة والانتباه للحضرة الالهية.
***
‎لا شك أن لوسائل الاعلام الاثر الهدام على الحياة الروحية، فهي تشتت الانتباه وتعرّض الانسان للتجارب الشيطانية.
*****
– وسائل الوقاية:
balamand
يجب توعية المستخدمين حول أخطار هذه الوسائل، خصوصا ان هنا انجرافاً جماعياً وراءها واهتماماً زائداً بها. كيف يمكننا الوقاية منها وحماية اولادنا منها ؟ مع العلم ان عيادات للعلاج النفسي قد انشئت في الولايات المتحدة والصين من اجل علاج الامراض النفسية المستجدة الناتجة عنها.
***
أولاً لمن يعانون من هذه الامراض،  الامتناع بين 6 اشهر وسنة عن هذه الوسائل، او القيام برياضة أقله لخمسة ايام يمتنع فيها بشكل كامل عن هذه الوسائل.
ثانيًا محاولة الاستغناء عن الوسائل غير الضرورية والتي يمكن الاستغناء عنها أو تنظيمها بشكل لا يعود العمل بها  متواصلًا. الامتناع عنها خلال فترة الاصوام مثلا. وضبط الاهواء والشهوات الناتجة عنها، العمل على اكتساب فضيلة التواضع والتقوى والحياء والامتناع عن إظهار الحياة الخاصة للجميع. استبدال الوقت المهدور على هذه الوسائل: بقراءة الكتاب المقدس والكتب الروحية – الصلاة- خدمة المحبة- الاهتمام بالاخرين وبالعائلة.
ثالثًا توجيه الاولاد وتدريبهم على عدم الاتكال المفرط على هذه الوسائل وعدم السماح بالتلفون المحمول قبل سن المراهقة. ومحاولة ضبط هذا الامر، من خلال تحديد اوقات معينة ومحدودة ومراقبة ما يسمعونه ويشاهدونه عن كثب. واحتضانهم للاهتمام بحياتهم الروحية .
‎نحن بحاجة الى اليقظة المطوبّة والى الصلاة من اجل التواصل مع الله لننمو ونتأله بالنعمة.
***
‎(ملخص ترجم بتصرّف لمجد الرب – جيزل فرح طربيه)